توقيت القاهرة المحلي 10:11:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البطولة والشجاعة الخلاقة.. المعنى وكيفية التحلي بهما (2- 3)

  مصر اليوم -

البطولة والشجاعة الخلاقة المعنى وكيفية التحلي بهما 2 3

بقلم - عمار علي حسن

فى كتابه «الأبطال»، يقدم توماس كاريل أبطاله فى صور شتى، أولاها البطل فى صورة إله، حيث يتحدث عما سماه «عبادة الأبطال»، التى تعنى الإفراط فى إجلالهم إفراطًا لا حد له. والثانية هى البطل فى صورة رسول، ويمثله محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم، والثالثة هى البطل فى صورة شاعر، ويجسده كل من دانتى وشكسبير، والرابعة هى البطل فى صورة قس، ويجسده مارتن لوثر بالنسبة للبروتستانتية وجون نوكس بالنسبة للبيوريتانية. وقياسًا على هذه النماذج، يحفل التاريخ البشرى بالأبطال، الذى كبروا فى عيون الناس ونفوسهم، وصاروا رموزًا ومثلًا عليا، يُقتدى بها.

ويُولد البطل فى السير الشعبية مصحوبًا بنبوءة واضحة المعالم، ترتبط بوجوده الفعلى، وتحدد له المصير المُعَدّ له، والدور الذى سيلعبه فى حياته، وهو دور حتمى، ليس بوسعه أن يفر منه، أو يتفاداه. وتضع هذه النبوءة بصمة أساسية فى إخراج البطل من حيز الإنسان العادى إلى براح الإنسان الأسطورى ليدخل دائرة الكون الفسيح، فيتوحد معه، ويرتبط به ارتباطًا وثيقًا. والنبوءة قاسم مشترك فى أساطير البطولة كافة وحياة أصحاب الملاحم والسير الشعبية الكبرى. ومن أشهر النبوءات فى هذا الشأن تلك التى أطلقها الإغريق على أخيل، بطل الإلياذة، وكعبه وكذلك على بيرسيوس وهيراقليس، وتلك الخاصة بأوديب، والتى حملها معبد دلفى إلى والده، و«قورش» ورستم وجرشاسب عند الفرس. وفى الأساطير العربية سبقت النبوءة مجىء أبوزيد الهلالى وحمزة البهلوان وعبدالوهاب ابن الأميرة ذات الهمة وعنترة بن شداد والزير سالم والمهلهل بين ربيعة.. إلخ.

وفى حقيقة الأمر، فإن معظم الشعوب التى كانت لها حضارات عظيمة نسجت الكثير من الأساطير النمطية التى تمجد فرسانها وملوكها وأمراءها ورجال دينها الكبار ومَن بنوا مدنها التاريخية. ومن أشهر تلك الأساطير أسطورة «حورس» فى الأدب الفرعونى القديم، و«إنكى» فى ملحمة الخليقة البابلية، و«بعل» فى آداب الكنعانيين، و«سرجون الأكادى» مؤسس الإمبراطورية الأكادية فى بلاد النهرين، و«شمشون» عند العبرانيين.

وتوزعت أساطير هؤلاء «الأبطال» على عدة أشكال، منها ما يُعرف بـ«أسطورة البطل» والملاحم والتراجيديا والحكايات الخرافية والحكايات السحرية والسير الشعبية والأسطورة الدينية.

وينحت بعض المبدعين أبطالًا من خيالهم الخصب، لكنهم يتركون علامات فى تاريخ الإنسانية، وتتردد سيرهم وأفعالهم وكأنهم بشر من لحم ودم، وليسوا مجرد سطور دبجها قلم، وربما لم يتوقع كاتبها لحظة تدبيجها أنها ستعلو فى نفوس الناس هذا العلو، وتجرى على ألسنتهم هذا الجريان. ويمكن أن نضرب مثلًا هنا بشخصية «دون كيشوت»، التى أبدعها الكاتب الإسبانى ذائع الصيت سيرفانتس (1546- 1616)، بعد أن احتشد خياله بقصص الفروسية التى قرأها من الأدب اليونانى القديم، فهذه الشخصية المختلقة صارت مضرب الأمثال على الفروسية الجامحة، التى جعلت صاحبها يعشق الحرب، فإن لم يجد مَن يحاربه حارب طواحين الهواء. وحفل الأدب العالمى بنماذج عديدة على المنوال نفسه، مثل هاملت لشكسبير وفوست لجوته... وهكذا.

وهذه النماذج الخيالية المختلقة تدل دلالة قوية على أن الناس يتوقون دومًا إلى البطولة، فإن لم يجدوها اخترعوها. وسواء كان البطل حقيقيًّا، عاش بين الناس ومشى على الأرض وسُمعت أقواله وشوهدت أفعاله، أو كان صناعة كاتب قدير أو إنتاج قريحة شعبية متوقدة، فإن الحياة بحاجة دومًا إلى الأبطال كى ترتقى وتتقدم وتسير إلى الأمام.

أما الشجاعة فقد نستشف صعوبة معناها من تلك المحاورة الطويلة التى أجراها سقراط حول هذه القيمة، والتى انتهت بأن أشاح بيده وقال لأصحابه: «لقد فشلنا فى أن نكتشف ماهية الشجاعة». ولم يكن مَرَدّ هذا اليأس إلى كسل عقلى أو سؤال مَن ليسوا من أهل الاختصاص، بل كان منبعه تعقُّد معنى الشجاعة، إلى الدرجة التى تجعل فهمها مرتبطًا بفهم الوجود نفسه.

لكن البشر لم يهملوا فى تاريخهم الطويل البحث عن معنى للشجاعة، حتى لو كان غير جامع ولا مانع. وفى المعنى العام المتواتر استخدامه فى قواميس العرب تعنى الشجاعة الجرأة والإقدام التى تقوم على شدة القلب فى البأس، والصبر والثبات على جلب الأمور النافعة ودفع الأمور الضارة، واستطاعة التغلب على رهبة المواقف. ويرى الفقيه العظيم ابن حزم الأندلسى أنها بذل النفس للذود عن الدين أو الحريم أو الجار المضطهد أو المستجير المظلوم، وعمّن هُضم ظلمًا فى المال والعرض، وسائر سبل الحق سواء قلَّ مَن يعارض أو كثر. أما عالِم اللغويات عبدالقاهر الجرجانى فينظر إليها باعتبارها هيئة حاصلة للقوة الغضبية بين التهور والجبن بها يقدم على أمور ينبغى أن يقدم عليها. ويعتبرها الجاحظ الإقدام على المكاره والمهالك عند الحاجة إلى ذلك، وثبات الجأش عند المخاوف مع الاستهانة بالموت.

ويعتقد الفيلسوف عبدالغفار مكاوى أن هناك نوعين من الشجاعة، سياسية وصوفية، الأولى تقاوم ما يعترضها من صعاب فى سبيل تحقيق العدل، والثانية تسير بالنفس فى ليل العالم وتخترق بها ظلام المادة والحواس. ومع أنهما مختلفتان فإنهما تنهلان من نبع واحد، يتمثل فى التخلى عن الذات أو العالم والاستعداد للتضحية بالنفس فى سبيل قيمة أسمى، وكلتاهما تحارب الشر فى العالم، وتحدوها الأمل فى النصر، حتى لو تطلب الأمر التضحية بالنفس. وهنا نرى أن الشجاعة تتعلق بإدراك الموت، ولذا لا يمكن للحيوان أو الملاك أن يتصفا بالشجاعة، فالشجاع هو الذى يواجه الموت فى كل وقت، ويستعد أن يلاقيه فى أى مكان، ولذا فإن الاستشهاد هو غاية الشجاعة، والدم تاجها، سواء كان فى سبيل العقيدة الدينية أو فى سبيل الوطن والمبدأ أو تحقيق رسالة فى الحياة.

(ونُكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البطولة والشجاعة الخلاقة المعنى وكيفية التحلي بهما 2 3 البطولة والشجاعة الخلاقة المعنى وكيفية التحلي بهما 2 3



GMT 03:46 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

شعب مالوش كتالوج!!

GMT 03:18 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الغباء المدمر

GMT 03:13 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عندما قال كيسنجر: «أي شىء يتحرك»!

GMT 04:58 2023 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

أيها العالم.. استيقظ

GMT 04:53 2023 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

لماذا السيسي؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon