توقيت القاهرة المحلي 00:06:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثقافة العلمية وإعداد النشء العربى للمستقبل (2 ـ 3)

  مصر اليوم -

الثقافة العلمية وإعداد النشء العربى للمستقبل 2 ـ 3

بقلم - عمار علي حسن

قمت فى مقال الأسبوع الماضى بتوصيف مشكلة «ضعف الثقافة العلمية لدى النشء العربى»، وشرحت سبيلين لمواجهتها، وهما: «التعليم» و«المجتمع المدنى».. وهنا أكمل:

3 ـ الثقافة: تعانى الثقافة العربية من نزوع إلى الماضوية، إنها بطبعها مشدودة إليه، إلا قليلا.. فالذين يفكرون فى المستقبل ينعتهم كارهونهم بالاغتراب عن الثقافة الأصيلة والأصلية. ولا سبيل إلى الخروج من هذا النفق الطويل المظلم إلا باستراتيجية تتعدى مجرد رغبات بعض الأفراد وقلة من المؤسسات التى تتمسك بالتفكير فى المستقبل، ليصبح المجتمع كله مؤمنا بهذا السبيل.

وهذه الاستراتيجية يجب أن يشارك فى صناعتها كل قوى المجتمع الفاعلة، فى كل دولة عربية على حدة، لاسيما من بين أولئك المعنيين بالفكر والثقافة. والحديث عن استراتيجية هنا يعنى وجود حزمة من التصورات والإجراءات والآليات التى يجب أن تكون موجودة بالفعل فى سبيل تحقيق غاية على هذا النحو.

إن أول لبنة فى بناء النظر إلى المستقبل، سواء كانت خطة أو استراتيجية، هو أن تمتثل بوعى واقتدار إلى ما يجب أن تتضمنه ثقافة ناجعة من أجل المستقبل، وهذا يتطلب عدة أمور، أولها: عدم التعامل مع الماضى بوصفه قيدا أو التزاما صارما أو حالة مثالية يجب العودة إليها، إنما هو مخزن للاعتبار والعظة، ولا يزيد على هذا.

وثانيها: امتلاك القدرة على التخيل، على أن يكون خيالا علميا وليس مجرد شطحات أو تهيؤات أو تفكير بالتمنى أو أوهام. وثالثها: اختيار منظومة من القيم الإيجابية التى تدفع إلى المستقبل، وهى تلك التى تحض على التفاؤل والانطلاق من الآنى إلى الآتى. ورابعها: تحويل هذا الخيال السارى أو السابح أو الطائر إلى مسار له قوام يمكن تعيينه والإمساك به، وهذا لا يمكن أن يتم إلا إذا تم نقل التصور النظرى حول ما يأتى إلى إجراء أو مسألة يمكن تطبيقها فى الواقع المعيش.

إن الثقافة العربية لا تحمل، كبنية ومضمون، انحيازًا بالضرورة إلى الماضى، وارتكانا إليه، وتمسكا به، وقداسة له، فماضى هذه الثقافة فى فحواه ومنهجه كان معنيا بالمستقبل، ليس مستقبلنا نحن الآن، إنما مستقبل العرب الذين كانوا يتتابعون جيلا بعد جيل، بينما الحضارة العربية ـ الإسلامية مستمرة فى تمكّنها لسبعة قرون على الأقل. وأتت المشكلة فيما بعد.

ليس من هذه الثقافة فى حد ذاتها، وإنما من المنتمين إليها، الذين تعلقوا بها ولم يفارقوها حين تردَّت أحوالهم وغربت شمس حضارتهم وبزغت حضارة أخرى، لم يتقبلوا هذا الأمر، وظلوا متشبثين بما كانوا عليه فى أيام توهجه التى لا يمكن لها أن تلمع اليوم مع تبدل الأحوال والظروف والأفكار والإمكانيات والقدرات العلمية بالمحتوى القديم نفسه، ولم يفهموا أن الثقافة العربية التى يتمسكون بها كانت بنت زمانها، وحتى تقوى وتستمر فقد استفادت من الثقافات كافة التى سبقتها أو عايشتها.

والحديث عن الثقافة يقود بالضرورة إلى الانتباه إلى خصائص «المخيلة العامة»، وهى ليست مجموع الخيالات التى تعشش فى رأس كل فرد فى المجتمع على حدة، لكنها حصيلة تفاعل معقد وعميق وواسع يصنع مخيالا للجماعة البشرية فى وقت من الأوقات، بعضها صناعة الموروث، وآخر ابن زمنه. وهذه المخيلة إن كان المستقبل يشكل جزءا من انشغالها، فإنها ستنزع إليه بالضرورة.

وهنا نواجه بالقطع معضلة شديدة، لأن مخيلاتنا الجمعية مشدودة إلى الخلف، ليس لبناء نماذج إرشادية تساعدنا على فهم ما يجرى الآن، ولا لاستلهام العبرة، أو الوقوف على نقاط القوة فى شخصيتنا فنتمسك بها، ونقاط الضعف فنتلافاها، إنما لأنها تعتقد أن الحل يكمن فى الماضى، كما سبقت الإشارة.

إن هذا المخيال المعطوب ليس قدرا أو مسألة حتمية، فهناك الكثير من العناصر المختلفة التى تغذيه، لكنها مطمورة تحت ركام من التصورات الماضوية الراكدة، وهذه العناصر يجب إخراجها ودفعها كى تؤدى واجبها فى شحن المخيال العام بما يجعل التفكير فى المستقبل لازمة، بل ضرورة يؤمن بها أغلب الناس فى مجتمعاتنا. وهناك دومًا ما يغذى هذا الاتجاه، مثل:

أ ـ المصلحة: فما ينفع الناس ليس للماضى فيه مكان كبير إلا إذا كان إرثا ماديا، إنما كله يرتبط بما يأتى، فكل فرد حين يخطط لتحصيل شىء يكسبه أو يرفعه فإنه فى هذا الفعل لا محالة يفكر فيما هو قادم فى المستقبل، وليس ما تركه خلف ظهره. ولا يعنى الانحياز للمصلحة هنا بالضرورة ميلًا إلى المادية أو المتعة الحسية، لأن المصالح أشمل من حصرها فى هذا، فبعض الناس يجدون مصلحتهم فى امتلاء الروح وجيشان العاطفة، ويجعلون المنافع المادية كلها، مهما بلغت، فى خدمة هذا، ويشعرون بلذة لا تدانيها أخرى وهم يفعلون هذا عن طيب خاطر.

ب ـ الحلم: لا يخلو إنسان من حلم أو أمنية، صغرت أو كبرت، وهذا يجعله مأخوذا دوما إلى ما سيأتى، فالأحلام والأمنيات بِنت المستقبل من دون شك.

ج ـ الخلود: وهو المسألة التى لا يمكن لمخيلة أن تتجاهلها، فالإنسان فى وسط إيمانه الشديد بأن موته حتمى يفكر فيما بعد الموت، سواء كان ما عرف أنه سيكون فى الآخرة، أو ما يبقى منه فى الدنيا، ذرية أو ميراثا أو علما ينتفع به.

إن المنفعة والحلم والخلود تدفع كل فرد إلى التفكير فى المستقبل، وهذا يجعل قدرة أى مخيلة عامة، بما فيها التى فى مجتمعنا، بوسعها أن تدخل فى صراع شديد من الرواسب الراقدة والراكدة فتزعزعها وتدفعها إلى الأمام؛ أو بمعنى أدق، تجعلها تفكر فى المستقبل.

وأعتقد أن هذه الثلاثية تصلح مفاتيح لمنظومة تغذى مخيلة النشء حيال المستقبل.

(ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثقافة العلمية وإعداد النشء العربى للمستقبل 2 ـ 3 الثقافة العلمية وإعداد النشء العربى للمستقبل 2 ـ 3



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:14 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا
  مصر اليوم - محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:57 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

دليل بأهم الأشياء التي يجب توافرها داخل غرفة المعيشة

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

GMT 10:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز 5 ضحايا لهيمنة ميسي ورونالدو على الكرة الذهبية

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 10:39 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

أبوظبي وجهة مثالية لقضاء العطلة في موسم الشتاء الدافئ

GMT 03:57 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 منتخبات عربية في صدارة مجموعات تصفيات كأس العالم 2026
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon