توقيت القاهرة المحلي 20:32:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

..وفيض من «بلاغة المقموعين»

  مصر اليوم -

وفيض من «بلاغة المقموعين»

بقلم - عمار علي حسن

(1)

يستوقفنى كثيرون فى الشارع سائلين عن الحال والمآل. بعضهم يطلب إلىّ أن أكتب لأصف بؤس أحوالهم. أنصت إليهم مليا فى شفقة، وأتعجب مما أسمعه منهم، فرغم كل ما جرى من غسل للأدمغة وزعزعة للنفوس، لا يزال الناس فى بلادى يثقون بأن الكلمة المنطوقة أو المكتوبة لها تأثير، إن لم يكن فيمن بأيديهم القرار ففى عموم الشعب الذى يكره الخرس والظلام، ولا يكف عن طلب المعرفة والنور والحرية والكرامة.

(2)

ليس من الحصافة أن يتصور أهل الحكم أن رأى الناس فيهم وموقفهم منهم ثابت لا يتغير، فالرأى العام فى أى بلد متقلب غير مستقر على حال، بل قد ينتقل من النقيض إلى النقيض، فتتحول الثقة لديه إلى شك عارم، والحب إلى كره جارف، والاطمئنان إلى قلق كبير، وهنا يصبح الناس منجذبين إلى كل الخيارات، لاسيما إن تساوت لديهم كل الأمور والحالات، ولم يبق لهم شىء يخافون عليه، أو يخشون منه، أو أدركوا أن عاقبة الجبن والتردد أوخم من عاقبة الشجاعة والإقدام.

(3)

أجد بعض تفسير للسخط الذى تطفح به مواقع التواصل الاجتماعى فى دراسة مهمة للدكتور جابر عصفور، هى «بلاغة المقموعين»، والتى يحلل فيها خطابا أنتجته المجموعات الهامشية التى لعبت دور معارضة سلطة الدولة، بدءا بالأمويين، وانتهاء بالدول المتأخرة التى صحبت انهيار الحضارة العربية، وتبدأ بالمعتزلة وبعض طوائف الشعية، والتنويرين المتمردين من طائفة الكتاب، والذين لقى بعضهم حتفهم بيد السلطة بدءًا بعبد الله بن المقفع ومن تبعه على هذا الدرب المؤلم من الفلاسفة والمتصوفة، الذين كان لديهم اعتراض على النقليين من أهل الأثر، وبالتبعية الاعتراض على السلطة التى كانت تدعم هذا الاتجاه.

ورغم أن الدراسة تتحدث عن زمن آخر، فإنها تعطى عمقا للنظر فيما يجرى الآن، وتبين فى كل الأحوال أن مكابدة الاستبداد فى حياة الشعوب العربية عمرها قرون، وبذا فإن الخروج منه يحتاج إلى نضال شاق، وجهد منظم، وأفكار إبداعية.

(4)

لا يمكن لعاقل أن يقتنع بأن الخروج من ضيق الحالى إلى براح الآتى سيتحقق بينما لا تزال المبانى تتقدم على المعانى، والحجر يتقدم على البشر. فالتاريخ علمنا أن عهود الانحطاط كانت هى العصر الذهبى للرخام.

(5)

ركل الشرطى بقدمه مشنة الليمون الناضر لعجوز تقف على طرف السوق، فتدحرج تحت أقدام العابرين. صرخت بكل ما أوتيت من قوة، وراحت فى نوبة بكاء طويل. جاء الناس مسرعين إليها، ودس كل واحد منهم يده فى جيبه وأخرج ما يقدر على مساعدتها به.

بعد أن مضوا جلست تعد ما تراكم فى جيبها، فجفت دموعها، وانبسط وجهها المنقبض، وسرت فى شرايينها دفقات عارمة من السرور.

جاءت فى اليوم التالى بليمونها، ووقفت فى مكانها المعتاد، تقلب عينيها يمينًا ويسارًا بحثًا عن أى شرطى ظلوم.

(6)

قابلت رجلا أسمر طويلًا، يجرى فى شارع عريض وفى يده إصيص مملوء بالدم، تنبت فيه شجيرة ذابلة، تهتز فتتساقط أوراقها تحت قدميه.

كان هناك أناس أبصارهم زائغة، وألسنتهم مشققة من كثرة الكذب، يتجمعون خائفين مفسحين له الطريق. حين اقترب منهم صرخ فيهم:

ـ هذه نهايتكم.

لاذوا بصمت طويل، بعد نُواح رجّ المكان، ثم لم يلبث أن نطق أحدهم:

لن نغادر ولو امتلأت كل قوارير البلد بالدم والنار.

فجأة غابت الشمس خلف سرب من الغربان راح يحوم حول الرؤوس المثقلة بعبء النهاية المفجعة.

نقلا عن المصري اليوم 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وفيض من «بلاغة المقموعين» وفيض من «بلاغة المقموعين»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:20 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما
  مصر اليوم - أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon