توقيت القاهرة المحلي 09:50:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عاطف عبدالمجيد.. حين يجتمع الإبداع مع الصبر والتعفف

  مصر اليوم -

عاطف عبدالمجيد حين يجتمع الإبداع مع الصبر والتعفف

بقلم - عمار علي حسن

كنسمة رخيّة يمضى الأديب ومربى الأجيال عاطف عبدالمجيد. يعطى دون أن ينتظر شيئًا من أحد، قابضًا على الجائزة الكبرى، وهى المحبة، وليس هناك أكبر لمثقف الآن من أن يقيه الله شرور الإحن والأحقاد، التى تصيب نفوس الناس لمجاورة أو مجايلة.

لم أضبط عاطف يومًا يأتى على ذكر غيره بسوء، تشغله الكتب والقضايا والأفكار عن الأشخاص، ولسانه لا يحاول به أن يشد متقدمًا أو متفوقًا أو فائق الإمكانيات والقدرات إلى الوراء، وعينه لا تسقط فى «حجاب المعاصرة»، الذى يجعل البعض لا يريد أن يقر لابن جيله، أو مساره، أو كاره، أو لون إبداعه، بأن ما أنتجه أو أنجزه يستحق إشادة أو تقديرًا أو غبطة وامتنانًا، وليس حنقًا أو قدحًا بغير حق أو استقامة.

لم أعرف عاطف وجهًا لوجه إلا فى السنوات الأخيرة، وإن كنت أتابعه بإعجاب منذ زمن، فأقرأ له قصيدة فى صحيفة أو مجلة، ثم أجد له فى أخرى مقالًا عن فكرة ما أو يكون نقدًا عميقًا لكتاب أو رواية أو مجموعة قصصية أو ديوان شعر لأديب آخر، وأقرأ له كذلك ترجمات موزعة على منابر عربية عدة، ثم تقع كتبه فى يدى بين حين وآخر.

وذات يوم، فتحت جريدة «أخبار الأدب» لأجد له مقالًا يفيض بالعمق والمحبة عن «حكايات الحب الأول» وهى متتالية قصصية لى، البعض يعتبرها عملًا روائيًّا مختلفًا جدًّا فى الشكل. قرأت المقال بإمعان، ثم طلبت هاتف عاطف من صديق، وهاتفته لأشكره، فهو كتب عن عمل لا تربطه بصاحبه علاقة مباشرة، وهذه فضيلة تكاد تنقرض فى حياتنا الثقافية تباعًا، ولا يتمسك بها إلا الذين يحرصون على الانتصار لما يرونه عملًا إبداعيًّا جيدًا، ولا يتعصبون لصحبة على حساب المعنى، أو لمنفعة على حساب القيمة.

كم راق لى أن أعرف أن عاطف عبدالمجيد له مهمة عظيمة فى الحياة، لا تقل جلالًا عن الكتابة والترجمة التى تروم الحرية والجمال والتقدم، ألَا وهى التدريس، فهو معلم للغة الفرنسية، تخرجت على يديه أجيال. ولك أن تعرف أنه يرفض إلقاء دروس خصوصية، كغيره من المدرسين، دون أن يبخل على تلاميذه بالرد على سؤال أو استفسار أو استفهام أو تطلع إلى شىء فى هذه اللغة، التى يجيدها عاطف باقتدار، ويترجم عنها بعض أنفس وأحدث الكتب الصادرة بها.

يرضى عاطف براتبه البسيط، ويضيف إليه ما يأتيه من الكتابة والترجمة وهو قليل كما تعارفنا عليه نحن أبناء هذا المسار، ضاغطًا حياته عند حد من الاستغناء والتعفف والصبر، لا يجعله يمد يده لأحد، ولا يشعر فى أى يوم بأن شيئًا ينقصه، وهو يؤمن أن الحدب على أولاده، وتربيتهم على الاستقامة والصبر والدأب، أهم كثيرًا من الإغداق عليهم بالمال.

يسعى عاطف بين الكتب، يقرأ بنهم، ثم يدع ما قرأه جانبًا ليكتب عنه بشهية مفتوحة، ومحبة فياضة، يسلك دومًا السبيل المستقيم إلى المعانى والأفكار والصور والمجازات، فيُعيد سبك ما استقر فى ذهنه من انطباعات ورؤى فى عبارات دالة، محبوكة بعناية، تصل إلى الفهم من أقرب طريق.

وبينما يُقبل على كتب غيره يقرؤها ويكتب عنها، يختلى ليبدع، ويضيف إلى مساره الأدبى العامر كل سنة خطوات جديدة، ففى عام 1997 كان على موعد مع صدور ديوانه الأول «بعض من قصائده»، الذى رأى النور فى طبعة محدودة عن جامعة أسيوط، لتتوالى دواوينه فى السنوات اللاحقة: «لماذا أنت دونهم؟» 2001، و«سأشعل كيفما أهوى طقوسى» 2002، و«حين احتراقى تكون القصيدة» 2007، و«ترنيمات من صومعتى» 2010.

و«من طينة أخرى دمى» 2013، و«من بئر الأسئلة» 2014، ثم يصدر نصوصًا عام 2016 بعنوان «كأشياء عادية أكتب قصيدتى»، ونصوصًا مثلها عام 2020 بعنوان «ليس كمثلها أنثى»، وثالثة بعنوان «لم أعد مؤمنًا إلا بى» عام 2021، ورابعة بعنوان «لماذا أحتفظ بهداياك» 2023. كما أصدر ديوان شعر للأطفال عام 2019 بعنوان «أغلى حاجاتى»، وكتابًا فى أدب الرسائل عام 2021 بعنوان «رسائل الأيقونة الخضراء»، فمجموعة من قصص قصيرة جدًّا عام 2023 بعنوان «أصابع لم يرَها مرة أخرى» فى العام الحالى أيضًا.

وعلى التوازى، توالت ترجمات عاطف عبدالمجيد، فترجم خمسة دواوين شعرية هى: «شعر شارل فرديناند رامى»، و«قداس إوزة النيل» لميشيل لاجرانج، و«فى غيمة شفيفة.. مختارات من الشعر الصينى» و«الثانية بعد.. أم هى دائمًا الأولى؟» لمنصور مهنى، و«ظلال وضوء وأيام بلا نهاية» لسلوى حجازى. كما ترجم أربع روايات هى: «رحلةُ العَمِّ مَا» لجان ديـﭭاسا نياما، و«حزن مدرسى» لدانيال بناك، و«ملك كاهل» لتيرنو مونتينمبو، و«الأمير الصغير» لأنطوان دو سانت أكسوبيرى.

وترجم أيضًا كتابًا قصصيًّا لمجموعة من الكُتاب صدر بعنوان «موت القائد العام». وكان للأطفال نصيب من ترجماته، حيث «جنيات البحيرة» و«إيتولا» و«التيوس الثلاثة» و«برتقالات الحب الثلاث» و«المرآة» و«طائر النار والذئب الرمادى». كما ترجم كتابًا عبارة عن حوارات صدر بعنوان «أن تكون فنانًا حرًّا»، وكتاب «الأفكار» لجون رينار.

هكذا يمضى عاطف عبدالمجيد فى تأنٍّ ورَوِيّة وثقة فى مسارات أربعة: الإبداع الأدبى والترجمة والنقد والتدريس، يفعل كل هذا بإخلاص وتفانٍ، موزعًا محبته على الجميع، دون أن ينتظر شيئًا من أحد، ضاربًا مثلًا ناصعًا فى الدأب والتعفف والنظر إلى الحياة من زاوية السكينة والسلام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاطف عبدالمجيد حين يجتمع الإبداع مع الصبر والتعفف عاطف عبدالمجيد حين يجتمع الإبداع مع الصبر والتعفف



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon