توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الشوك والقرنفل».. رواية يحيى السنوار المسكونة بالألم والأمل (1- 2)

  مصر اليوم -

«الشوك والقرنفل» رواية يحيى السنوار المسكونة بالألم والأمل 1 2

بقلم - عمار علي حسن

لم تَخْلُ السرديات الروائية والقصصية لأى أمة من تناول طرف من يومياتها وحولياتها، وذكر أحداثها ووقائعها، سواء الجارية فى زمانهم، والتى عركها أدباؤها حين أنصتوا إلى صانعيها ورأوهم وشاهدوا أفعالهم، أو شاركوا فيها هم أنفسهم، أو تلك التى وقعت فى زمن سابق، وقرأوا عنها فى كتب التاريخ، فاستعادوها حوادث تحمل أمثولة راسخة، سواء كان التعبير عنها قد تهادى فى إبداع فردى حديث ومعاصر، أو أنتجته القريحة الشعبية أو «المخيلة والعقل الجمعى» من حكايات وأساطير.

ليس الشعب الفلسطينى استثناء من هذه القاعدة، بل هو يقع فى قلبها، وقد كتب فى رحابها بدمه أشعارًا وروايات وقصصًا ومسرحيات عديدة، أو سردتها الجدات على مسامع الأطفال، بما صور معاناته ومكابداته وأشواقه إلى الحرية والعدل، بشكل أعمق مما تذكره الصحف اليومية السيارة، أو يأتى المؤرخون والمحللون السياسيون على ذكره.

وحين تقع فى أيدينا رواية ليحيى السنوار، قائد (حماس) فى غزة، العقل المدبر لـ«طوفان الأقصى»، فإن أول ما يشغلنا بها هو مضمونها، الذى سيُقربنا من دخيلة مؤلفها، لنتبين إدراكه لذاته وقضيته وأمته والعدو الذى يجابهه والعالم الذى يحيط به.

وهنا نغض الطرف عن الشكل الروائى، حيث جماليات النص وبنيته، خاصة أن مؤلفه، وإن لم يخل سرده مما يهتم به الشكلانيون، من بناء خطى وتعبيرات وتركيبات ومجازات لغوية وجاذبية واحتفاء بالتفاصيل، فإنه دافعه، كما يبدو من مفتتح نصه ومساره فيما بعد، قد اهتم بأن يهدى لأعيننا موضع أقدام أهل النضال على أرض فلسطين، ويشرح، عبر شخوص وحكايات ووصف تفصيلى للوقائع والأماكن والنفوس، كيف تطورت القضية فى ثلث قرن امتدت من هزيمة 1967 حتى انتفاضة الأقصى عام 2000.

كتب السنوار روايته هذه فى السجن، الذى قضى فيه ثلاثة وعشرين عامًا بعد أحكام بالسجن المؤبد إثر اتهامه بالتخطيط لاختطاف وقتل جنديين إسرائيليين وقتل أربعة فلسطينيين كانوا عملاء للاحتلال، ولأنها كُتبت فى هذا المكان البائس، وفى وقت كان مؤلفها يواجه خيار البقاء فى السجن إلى أن يموت، كان عليه أن يحفر فى ذاكرته عميقًا لاستدعاء التفاصيل الدقيقة للحياة التى قضاها «أحمد»، بطل الرواية، راويها العليم، كى يتوسل بها لمساعدته على ترويض الوقت الثقيل، وكسر الملل، ومواجهة النسيان، أو التشبث بأهداب الحياة، التى تجرى خارج الأسوار على حالها.

يقول «السنوار»، فى مفتتح روايته: «هذه ليست قصتى الشخصية، وليست قصة شخص بعينه، رغم أن كل أحداثها حقيقية.. الخيال فى هذا العمل فقط فى تحويله إلى رواية»، ليخبرنا بهذا أنه قد اختار الرواية، كنوع أدبى، لسرد تاريخ المجتمع الفلسطينى الذى عاشه منذ أن وعى على الدنيا وحتى ختام روايته، وهى فترة تمتد من حرب 1967 وحتى انتفاضة الأقصى 2000، وتغوص أحيانًا، على سبيل الاستدعاء والاستشهاد والتأصيل، أبعد فى الزمن حتى النكبة فى 1948.

يبدو للوهلة الأولى أن «السنوار» يسرد تجربته، أو سيرته الذاتية، لكنه فضل أن يقدمها فى قالب روائى، لأسباب عدة، فالقول بأنها رواية يُعفيه من ذكر أشخاص بأسمائهم، لم يستأذنهم وهو فى سجنه كى يكتب عنهم، وهناك شخصيات مدانة من عملاء الاحتلال وجواسيسه، ومن المتقاعدين أو خائرى العزم.

كما أن القالب الروائى يُعفيه من عرض أسرار مجتمعه، ولاسيما أهل المقاومة منهم، ويحميه من أن تتخذ السلطات الإسرائيلية من هذا المضمون دليل إدانة جديدة له لمشاركته فى «العمل الفدائى» منذ ريعان شبابه، وربما يسهل عليه فى السجن أن يُقال إنه يكتب رواية عن القول إنه يسجل سيرته.

«السنوار» غالبًا هو الراوى «أحمد»، الذى نتتبع سيرته منذ طفولته حتى انخراطه فى صفوف «حماس»، وهو الشاهد على كل شىء حوله، منذ لحظة الانكسار حين احتلت إسرائيل قطاع غزة فى حرب 67، والتى عبر عنها بمشهدين، الثانى منهما هو قيام إسرائيل بجمع كل مَن تزيد أعمارهم على 18 سنة فى مخيم الشاطئ، ودفعهم أمام ضابط مخابرات ليتفحصهم ليختار الأشداء منهم، فتطلق عليهم النار.

ثم تتوالى تفاصيل حياة «أحمد» وإخوته وأمه وأبناء عمه وجده لنقف معهم على حالة لأسرة غزاوية عانت طويلًا من القهر والفقر، فقاومته بتعليم الأولاد حتى حصلوا على شهادات جامعية، وبالانخراط فى صفوف المقاومة، اتكاء على القاعدة التى رسخها أخوه الأكبر «محمود» حين قال ذات يوم: «إذا تحقق عزم الرجال واستعدادهم للموت، فإن شيئًا لا يمكن أن يقف فى وجههم، ولابد للنصر أن يكون حليفهم».

تقدم الرواية، من خلال هذه الأسرة وجيرانها، بل سكان مخيم الشاطئ كله، وامتدادًا لبقية غزة وأهل الضفة الغربية والشتات الفلسطينى فى الأردن ولبنان، تسلسل وقائع القضية الفلسطينية، سواء على مستوى قادتها الكبار الذين تأتى الرواية على ذكر بعض أسمائهم، مثل ياسر عرفات وأحمد ياسين وأحمد جبريل، من الفلسطينيين، أو على مستوى القوى السياسية والنضالية التى حملت القضية على أكتافها، مثل حركة فتح، ومنظمة حماس، والجبهة الشعبية.

ومع السرد نُحاط علمًا بتوزع أيديولوجيات الشباب الفلسطينى على الاتجاهات القومية واليسارية والإسلامية، وما بينهم من منافسة تمتد من النقاش إلى الجدل والمواجهة فى المدارس والجامعات والسجون، التى حوّلها الفلسطينيون إلى مدارس لتعلم السياسة ودراسة تاريخ بلادهم وأيام كفاحها، وكذلك ما يجمعهم من هموم تجعلهم يتقاربون، بل يتوحدون فى المُلِمّات إلى حد كبير.

وبلغ مشهد التوحد ذروته، كما تخبرنا الرواية، حين اندلعت انتفاضة الحجارة 1987، حيث «خرج إلى الشوارع ملثمون من كتائب عزالدين القسام بلباسهم الأخضر المعروف، يصطفون فى صفوف لا نهاية لها»، ومعهم خرج أتباع كتائب شهداء الأقصى براياتهم الصفراء، وكتائب سرايا القدس براياتهم السوداء، يحملون أسلحة مختلفة الأنواع ويلوحون بها فى الهواء.

(ونُكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الشوك والقرنفل» رواية يحيى السنوار المسكونة بالألم والأمل 1 2 «الشوك والقرنفل» رواية يحيى السنوار المسكونة بالألم والأمل 1 2



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon