توقيت القاهرة المحلي 13:37:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى معنى «الشارع السياسى»

  مصر اليوم -

فى معنى «الشارع السياسى»

بقلم - عمار علي حسن

قاد انشغال الناس بشؤون السياسة وأخبارها البعض إلى أن يعيد صياغة الاصطلاح المعروف بـ«الرأى العام»، أو يسلخ عنه جزءًا ليس بالقليل، ليطلق عليه اسم «الشارع السياسى»، والذى ذاع صيته في الإعلام، وظلت تردده الألسنة في مصر من دون بلورة اصطلاح مستقل له من واقع التجربة المصرية على وجه الخصوص، والتى تستعيد دومًا مقولة شهيرة صكها جمال عبدالناصر وهى «الشعب المعلم».. تخبو قليلا.. ثم لا تلبث أن تعود قوية كاسحة مع انتفاضات المصريين وثوراتهم.

ورغم اللحظة المتأخرة التي ولد فيها تعبير «الشارع السياسى»، فإنه ظل كامنًا أو خافتًا ومتداولًا بشكل غير مباشر في كثير من الممارسات السياسية، التي حملتها اصطلاحات راجت وتبلورت وتحددت معالمها واستقرت في بطون القواميس والمعاجم والموسوعات، مثل «المشاركة السياسية» و«التنشئة السياسية» و«الرقابة الشعبية» و«العقل الجمعى» و«الضمير الجمعى» و«الرأى العام» و«الجماهيرية».

والاصطلاح الأخير- وهو الأقرب إلى مصطلح الشارع السياسى- يُقصد به وفق معطيات النظرية الماركسية: أي حركة سياسية تسعى إلى تعبئة الجماهير كأفراد وليسوا كأعضاء في جماعة اقتصادية اجتماعية معينة ضد السلطة التي يُعتقد أنها تخضع لسيطرة أصحاب المصالح الخاصة، أو يُعتقد أنها فائقة القوة أو الهيمنة.

وقد بدأ مصطلح «الجماهير» أو «الكتلة» Mass في اللاهوت المسيحى، بمعنى «القداس» الذي يحضره شعب الكنيسة وهو محتشد في كتلة واحدة، ثم انتقل في القرن السابع عشر إلى علم الفيزياء، ليعنى «كم المادة المتجمعة».. وتسرّب بعدها إلى العلوم الاجتماعية ليعنى تحوّل الجماهير إلى كتلة واحدة منصهرة ذات مشاعر واحدة وذوق وإرادة واحدة، قد تكون واعية أو لا واعية، لكنها تعمل في اتجاه واحد.. وازداد رسوخًا مع الثورة الفرنسية التي لعبت فيها كتلة الجماهير الحاشدة دورًا محوريًا.

واكتسب المصطلح دلالته الكاملة في أكثر من حقل من المعارف الإنسانية مع ظهور المجتمعات الحديثة ذات الكثافة السكانية الكبيرة، ومع ظهور وسائل الإعلام القادرة على الانتشار السريع والواسع، والثورة الصناعية التي جعلت ملايين أو ربما مليارات البشر يستهلكون سلعة واحدة.

وبدأت تظهر الحاجة إلى قياس الرأى العام أو استطلاع مواقفه منذ وقت مبكر، حيث أُسست جمعية في بريطانيا عام 1937 باسم «المشاهدة الجماهيرية» Mass Observation لتطوير الدراسات العلمية التي تقف على طبيعة السلوك الاجتماعى من خلال الاستعانة بعدد من المشاهدين المتطوعين، الذين دوّنوا خبراتهم الميدانية وملاحظاتهم العميقة وانطباعاتهم الخاطفة حول بعض العادات والتقاليد. وقد انقطع نشاط هذه الجمعية خلال الحرب العالمية الثانية، ثم عاودت نشاطها ووسعتها لتشمل مراقبة حركة الأسواق التجارية. وبمرور السنين، ظهرت الشركات والمؤسسات التي لا عمل لها سوى إجراء استطلاعات للرأى العام حول مختلف القضايا.

وقد صارت المجتمعات الديمقراطية الحديثة تحمل اسم «المجتمع الجماهيرى» Mass Society، فيما مَثَّلت الجماهير رافدا ملموسا من روافد القوة السياسية في ظروف معينة ببعض بلدان الدول النامية. وتعد حركة «البيرونيين» في الأرجنتين، المنسوبة إلى الرئيس بيرون، نموذجا جليا لهذا، كذلك الحركات الشعبية التي ظهرت في شرق ووسط أوروبا أثناء فترة تخلصها من قبضة الاتحاد السوفيتى، وقيادتها نضالا سلميا من أجل التخلص من حكومات مستبدة تابعة لموسكو.

وقبل ذلك بعقود كان للناس حضور مختلف في المشهد السياسى من خلال الانخراط في مقاومة مسلحة ضد الاحتلال أو ضد أنظمة الحكم الديكتاتورية فيما عرف باسم «الحرب الثورية» أو «الجبهات الشعبية» Popular fronts، التي شكلها يساريون أو راديكاليون ليبراليون من يسار الوسط، وكذلك التحالفات ضد الفاشية في ثلاثينيات القرن العشرين.

وهناك جبهة تشكلت في إسبانيا عام 1936 بوصفها تجمعًا انتخابيًا، وأدى انتصارها إلى اشتعال الحرب الأهلية. وهناك أخرى تشكلت في أستونيا عام 1988 للدعوة إلى الاستقلال عن الاتحاد السوفيتى.

وتوجد أيضا «الحركة الشعبية» Populism مثل جماعة «إرادة شعب» التي ضمت مجموعة من المفكرين الروس الذين عاشوا وسط الفلاحين، وأثمرت جهودهم عن تأسيس «الحزب الثورى الاجتماعى» الذي قمعه لينين عام 1918.. لكن مثيلاتها في بولندا وبلغاريا ورومانيا لاقت نجاحًا لافتًا. وظهر حزب في الولايات المتحدة اسمه «الحزب الشعبى»، والذى نادى في تسعينيات القرن التاسع عشر بالإصلاح الزراعى. كما يوجد سياسيون شعبيون لديهم قدرة فائقة على مغازلة الجماهير وجذب انتباههم وتعاطفهم.

وهناك من يطلق على الشارع السياسى اسم «المزاح الشعبى».. وهو إن كان قد حرس الديمقراطية من خلال حرص أغلب الناس على الذهاب إلى صناديق الاقتراع في البلدان الديمقراطية، فإنه تسبب خلال بعض الحالات في انتكاس الديمقراطية وتجاوز تنظيماتها، نظرًا لفقدان الثقة في المؤسسات القائمة عليها. فالنازيون والفاشيون في ألمانيا وإيطاليا تباعا وصلوا إلى الحكم عبر صناديق الانتخابات، لكنهم انقضّوا على الديمقراطية وسط احتفاء الشارع بنزعتهما القومية والتسلطية. وفى أواسط القرن العشرين، قاد المزاج الشعبى إلى ميلاد نظم عسكرية تسلطية في إسبانيا والبرتغال والكثير من جمهوريات أمريكا اللاتينية.

ولم تقد حركات التحرر الوطنى والانقلابات العسكرية والانتفاضات والاحتجاجات خلال النصف الثانى من القرن نفسه إلى التحول نحو الديمقراطية في دول عديدة في آسيا وإفريقيا، بسبب قبول المزاج الشعبى للحكومات العسكرية، أو لفشلٍ في ضبط آليات الديمقراطية، مثل حالة روسيا أثناء حكم يلتسين، ومصر خلال حكم مرسى، والخبرات المعاصرة لرومانيا وبلغاريا.

وهناك حالات لا يلحّ فيها الشعب طالبًا الديمقراطية، مكتفيًا بالإنجازات الاقتصادية والاجتماعية مثل الصين ودول الخليج.

وقد ساهم التطور الهائل في وسائل الاتصال وظهور الإعلام الحديث وتقدم الصناعة في زيادة الحضور الشعبى في المشهد العام، ولم تعد السياسة، فكرًا وممارسة، مقصورة على نخب ضيقة، وعلى من يلتف حولها من المنشغلين بالقضايا العامة.

وصار الوعى بتأثير السياسة على الحياة الخاصة للفرد عميقًا ومتجذّرًا. فكثيرٌ من النظم التسلطية حاولت عبر قرون أن ترسخ تصورات تفصل بين الشأن السياسى وشؤون الحياة التي تمس الفرد بشكل مباشر، أو تلك التي تتعلق بتلبية احتياجاته المادية الأساسية.. لكن هذه اللعبة لم تعد تنطلى على قطاعات عريضة من الناس، أصبحت موقنة أن ثقافة الحاكم ونوع الحكم وكفاءة وولاءات الشخصيات التي تدير الدولة لها علاقة مباشرة بحياة أفراد الشعب، ولا جدال في ذلك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى معنى «الشارع السياسى» فى معنى «الشارع السياسى»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:37 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً
  مصر اليوم - طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً

GMT 00:20 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة

GMT 02:38 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا

GMT 12:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد امام يعتبر والده "الزعيم" هو نمبر وان في تاريخ الفن
  مصر اليوم - محمد امام يعتبر والده الزعيم هو نمبر وان في تاريخ الفن

GMT 15:53 2018 الإثنين ,12 آذار/ مارس

إستياء في المصري بسبب الأهلي والزمالك

GMT 10:53 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على وصفات طبيعية للعناية بالشعر التالف

GMT 02:56 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

الفنانة ميرنا وليد تستعد لتقديم عمل كوميدي جديد

GMT 19:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 13:48 2018 السبت ,05 أيار / مايو

سيارة بدون "عجلة قيادة ودواسات" من سمارت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon