توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليس للفقراء سوى «كلام معسول» يتبعه أذى

  مصر اليوم -

ليس للفقراء سوى «كلام معسول» يتبعه أذى

بقلم - عمار علي حسن

منذ أن تفتحت أذهاننا على السياسة، متابعة واهتماما وفكرا وممارسة، ونحن نسمع عن الجهد الذى تبذله الدولة فى سبيل تحسين أحوال «محدودى الدخل» و«الانحياز للفقراء» و«محاربة الفقر». وكان الاصطلاح الأخير يثير فى مخيلاتنا صورا، بعضها يجعلنا ننفجر ضاحكين فيما بعد، حين نسترد عقولنا الشاردة، ونمعن النظر فيما تخيلناه، ونخضعه للتفكير المنطقى. فقد كنا نتصور أن أفراد السلطة، أو أهل الحكم، يصطفون فى صرامة وحزم بعد أن ارتدوا لباس القتال، يمسكون فى أيديهم سيوفا أو بنادق، ويهجمون على أشباح شريرة تسمى الفقر، فيردونها قتلى، فتضج لهم الساحات بالتصفيق والتهليل، وتزغرد النساء فى النوافد انبهارا بالنصر المبين. كنا نمارس فى تصوراتنا هذه ألعابا خيالية، لا تبتعد كثيرا عن المجاز الساكن فى تعبير «محاربة الفقر»، الذى لا تكف السلطات المتعاقبة عن الإتيان على ذكره، بينما الحقيقة تمضى فى الاتجاه المناقض تماما، إذ يزداد الأثرياء ثراء والفقراء فقرا.

وهنا يقول الكاتب الصحفى الأستاذ رفعت رشاد فى صفحته الشخصية على «فيسبوك»: «أمضيت ربع قرن من حياتى الصحفية كمحرر برلمانى لا أسمع إلا كلاما معسولا عن رعاية الفقراء. ومضت ست سنوات أخرى لى خارج هذه المهمة، والحال لم تتبدل». وهذه الشهادة الميدانية تعززها دراسات علمية لافتة حول الفقر والفقراء، كان من بين الذين أعدوها وقدموها لنا، وهم فى عطف وحدب على الفقراء والمساكين والمعوزين والمشردين، هو الأستاذ الدكتور صلاح هاشم الذى يرى أن قضية الفقر قادرة على أن تصنع طيلة الوقت موضوعات متجددة غارقة فى الأسى، حيث يقول فى مقدمة كتابه «الفقراء الجدد»: «ظننت فى كل دراسة بحثية أجريتها أننى وفيت تلك القضايا حقها، ولكن يبدو أن قضايا الفقراء باتت مرضا عنكبوتيا أو سرطانيا متشعبا، لا يمكن وصفه أو الحديث عنه فى كتاب واحد، أو دراسة بحثية واحدة». وأمام هذا التجدد، الذى تحمل معه قضية الفقر حججها القوية، لا يكون بمقدور السلطة المسرعة صوب اليمين أن تتجاهل مطالب الفقراء، الذين تضاف إليهم مع مطلع شمس كل يوم جديد أعداد غفيرة، وتستعر فى نفوسهم النزعة إلى التمرد والاحتجاج. ونظرا لأن قدرة السلطة على الاستجابة لهذه المطالب تتراخى وتتراجع مع استشراء الفساد وضعف الموارد والإمكانيات أو الإصرار على سياسة الانحياز إلى الأثرياء ومن يتبعونهم، فإن من بيدهم القرار يكون أمامهم خياران: إما مصارحة الفقراء بأن أوضاعهم ستزداد سوءا لأن السلطة عاجزة عن حل مشكلاتهم، أو إظهار التعاطف معهم، وإحياء الأمل فى نفوسهم بأن ما هم فيه من بؤس إلى زوال، ولو بعد حين، وهنا يستيقظ «المجاز السياسى» وتلتهب الاستعارات والتشبيهات والكنايات، لتساعد من يخاطبون الفقراء على إقناعهم، أو على الأقل كسب ودهم مؤقتا، إما لأنها بحاجة إلى تعبئتهم فى الانتخابات، التى يتم استغلال بعض المرشحين فيها الفقر فى شراء أصوات، أو لاتقاء غضبهم العارم، الذى إن انفجر، لا يبقى ولا يذر، وهو أمر غير مستبعد فى الحالة المصرية كما ينبئنا صلاح هاشم فى كتابه «ثورات الجياع.. قراءة سوسيولوجية فى التاريخ المصرى».

وهناك وجهتا نظر حول الفقر تستقران، من دون شك، فى أذهان كثيرين ممن يجلسون فى كراسى الحكم، الأولى هى تلك التى كان يعتقد فيها «هنرى مايو» وهو يصف المهمشمين فى لندن بأنهم «سلالة ضيقة الأفق، بارزة الأشداق، سليطة اللسان، تكره العمل المنتظم، ولا تدخر شيئا للمستقبل سوى كراهية الأغنياء، ولا تتحسب عواقب تصرفاتها، ولا تتصور أن من لا يعمل بوسعه أن يتسول أو يثور»، والثانية هى التى يرد بها صلاح هاشم على «مايو» فيتعامل مع الفقراء على أنهم «عامة الشعب الذين لا يختلفون عن ملاك المال والسلطة سوى فى جودة الحياة»، وهو تصور حقيقى وإنسانى ينجو من النظرات المتعصبة الضيقة، التى تجافى العلم والأخلاق، وتتوهم أن الفقراء صنف آخر من البشر، لا يجب التعاطف معهم، إنما إلقاؤهم بين شقى رحى مجاز آخر يسمى «الإصلاح الاقتصادى»، يطحنهم بلا هوادة ولا تحسب ولا ورع.

نقلا عن المصري اليوم 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس للفقراء سوى «كلام معسول» يتبعه أذى ليس للفقراء سوى «كلام معسول» يتبعه أذى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon