توقيت القاهرة المحلي 20:43:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليس للفقراء سوى «كلام معسول» يتبعه أذى

  مصر اليوم -

ليس للفقراء سوى «كلام معسول» يتبعه أذى

بقلم - عمار علي حسن

منذ أن تفتحت أذهاننا على السياسة، متابعة واهتماما وفكرا وممارسة، ونحن نسمع عن الجهد الذى تبذله الدولة فى سبيل تحسين أحوال «محدودى الدخل» و«الانحياز للفقراء» و«محاربة الفقر». وكان الاصطلاح الأخير يثير فى مخيلاتنا صورا، بعضها يجعلنا ننفجر ضاحكين فيما بعد، حين نسترد عقولنا الشاردة، ونمعن النظر فيما تخيلناه، ونخضعه للتفكير المنطقى. فقد كنا نتصور أن أفراد السلطة، أو أهل الحكم، يصطفون فى صرامة وحزم بعد أن ارتدوا لباس القتال، يمسكون فى أيديهم سيوفا أو بنادق، ويهجمون على أشباح شريرة تسمى الفقر، فيردونها قتلى، فتضج لهم الساحات بالتصفيق والتهليل، وتزغرد النساء فى النوافد انبهارا بالنصر المبين. كنا نمارس فى تصوراتنا هذه ألعابا خيالية، لا تبتعد كثيرا عن المجاز الساكن فى تعبير «محاربة الفقر»، الذى لا تكف السلطات المتعاقبة عن الإتيان على ذكره، بينما الحقيقة تمضى فى الاتجاه المناقض تماما، إذ يزداد الأثرياء ثراء والفقراء فقرا.

وهنا يقول الكاتب الصحفى الأستاذ رفعت رشاد فى صفحته الشخصية على «فيسبوك»: «أمضيت ربع قرن من حياتى الصحفية كمحرر برلمانى لا أسمع إلا كلاما معسولا عن رعاية الفقراء. ومضت ست سنوات أخرى لى خارج هذه المهمة، والحال لم تتبدل». وهذه الشهادة الميدانية تعززها دراسات علمية لافتة حول الفقر والفقراء، كان من بين الذين أعدوها وقدموها لنا، وهم فى عطف وحدب على الفقراء والمساكين والمعوزين والمشردين، هو الأستاذ الدكتور صلاح هاشم الذى يرى أن قضية الفقر قادرة على أن تصنع طيلة الوقت موضوعات متجددة غارقة فى الأسى، حيث يقول فى مقدمة كتابه «الفقراء الجدد»: «ظننت فى كل دراسة بحثية أجريتها أننى وفيت تلك القضايا حقها، ولكن يبدو أن قضايا الفقراء باتت مرضا عنكبوتيا أو سرطانيا متشعبا، لا يمكن وصفه أو الحديث عنه فى كتاب واحد، أو دراسة بحثية واحدة». وأمام هذا التجدد، الذى تحمل معه قضية الفقر حججها القوية، لا يكون بمقدور السلطة المسرعة صوب اليمين أن تتجاهل مطالب الفقراء، الذين تضاف إليهم مع مطلع شمس كل يوم جديد أعداد غفيرة، وتستعر فى نفوسهم النزعة إلى التمرد والاحتجاج. ونظرا لأن قدرة السلطة على الاستجابة لهذه المطالب تتراخى وتتراجع مع استشراء الفساد وضعف الموارد والإمكانيات أو الإصرار على سياسة الانحياز إلى الأثرياء ومن يتبعونهم، فإن من بيدهم القرار يكون أمامهم خياران: إما مصارحة الفقراء بأن أوضاعهم ستزداد سوءا لأن السلطة عاجزة عن حل مشكلاتهم، أو إظهار التعاطف معهم، وإحياء الأمل فى نفوسهم بأن ما هم فيه من بؤس إلى زوال، ولو بعد حين، وهنا يستيقظ «المجاز السياسى» وتلتهب الاستعارات والتشبيهات والكنايات، لتساعد من يخاطبون الفقراء على إقناعهم، أو على الأقل كسب ودهم مؤقتا، إما لأنها بحاجة إلى تعبئتهم فى الانتخابات، التى يتم استغلال بعض المرشحين فيها الفقر فى شراء أصوات، أو لاتقاء غضبهم العارم، الذى إن انفجر، لا يبقى ولا يذر، وهو أمر غير مستبعد فى الحالة المصرية كما ينبئنا صلاح هاشم فى كتابه «ثورات الجياع.. قراءة سوسيولوجية فى التاريخ المصرى».

وهناك وجهتا نظر حول الفقر تستقران، من دون شك، فى أذهان كثيرين ممن يجلسون فى كراسى الحكم، الأولى هى تلك التى كان يعتقد فيها «هنرى مايو» وهو يصف المهمشمين فى لندن بأنهم «سلالة ضيقة الأفق، بارزة الأشداق، سليطة اللسان، تكره العمل المنتظم، ولا تدخر شيئا للمستقبل سوى كراهية الأغنياء، ولا تتحسب عواقب تصرفاتها، ولا تتصور أن من لا يعمل بوسعه أن يتسول أو يثور»، والثانية هى التى يرد بها صلاح هاشم على «مايو» فيتعامل مع الفقراء على أنهم «عامة الشعب الذين لا يختلفون عن ملاك المال والسلطة سوى فى جودة الحياة»، وهو تصور حقيقى وإنسانى ينجو من النظرات المتعصبة الضيقة، التى تجافى العلم والأخلاق، وتتوهم أن الفقراء صنف آخر من البشر، لا يجب التعاطف معهم، إنما إلقاؤهم بين شقى رحى مجاز آخر يسمى «الإصلاح الاقتصادى»، يطحنهم بلا هوادة ولا تحسب ولا ورع.

نقلا عن المصري اليوم 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس للفقراء سوى «كلام معسول» يتبعه أذى ليس للفقراء سوى «كلام معسول» يتبعه أذى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:20 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما
  مصر اليوم - أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon