توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى نقد الفكر السلفى.. كتاب وقضية

  مصر اليوم -

فى نقد الفكر السلفى كتاب وقضية

بقلم - عمار علي حسن

بخيال الشاعر، وبصيرة الناقد الأدبى، وعقلية الباحث، كتب د. محمد السيد إسماعيل مقالات متتابعة، جمعها فى كتاب عنوانه «نقد الفكر السلفى»، قام إسماعيل فيه بحل معضلة أمام الباحثين فى مجال دراسات الحركة السياسية الإسلامية عموما، حين تبنوا جميعا الاصطلاح الذى صكه متطرفون مسلحون حين أطلقوا على أنفسهم «السلفية الجهادية» التى ضمت تنظيمات إرهابية على رأسها القاعدة وداعش.

فهذا الاصطلاح تم تداوله على نحو مفرط، وفرق الباحثون بينه وبين «السلفية الدعوية» أو «المدرسية». أما إسماعيل فذهب إلى المعنى من أقرب طريق حين أسماها «السلفية القتالية»، ما يجعلنى فى هذا المقام، ألتقط الخيط منه لأقترح تسميتها بـ «السلفية المسلحة»، أو «السلفية العدوانية».

الكتاب، الذى صدر مؤخرًا عن وكالة الصحافة العربية، لا يتعامل مع السلفية باعتبارها طريقا أو فريقا واحدا، إنما هى سلفيات عدة، ما يجعلها تنتج مجموعة من التصورات أو الخطابات والمفاهيم والرؤى التى بينها أصناف من الائتلاف والاختلاف.

يواصل إسماعيل صك المصطلحات اللافتة، فيتحدث عن «السلفية النصوصية» التى تتكئ إلى ظاهر النص، وتقدم الرواية على الدراية، والنقل على العقل، وتهرب من التأويل وما يتضمنه من مجاز. ويعود الكاتب بهذا الصنف من السلفية إلى القرن الثالث الهجرى حيث الصراع الذى دار بين أهل الأثر أو أهل الحديث وبين الأشاعرة والمعتزلة وانتصرت السلطة للمتسلفة فيما بعد، واستمر تأييدها لهم، فاستمر الخيط الغليظ ممتدا من أحمد بن حنبل إلى أحمد بن تيمية وصولا إلى محمد بن عبد الوهاب، ليصنع تيارا قويا يبدو مغتربا عن زماننا فى طريقة التفكير أو الزى أو الطقوس.

ويضرب الكتاب أمثلة عديدة على هذا الاغتراب، أو تلك المغايرة من خلال تناول موقف السلفيين من الديمقراطية والمرأة، ودولة المواطنة، ثم يلتقط مثلا أعمق لواحد من كبار منظرى «السلفية القتالية» هو سيد قطب، فيراه عبر كتابى محمد حافظ دياب وشريف يونس عنه، وهما من أفضل ما كتب حول فكر قطب وشخصه.

ثم ينتقل بالعرض والتحليل لكتب أخرى تناولت هذه الظاهرة، مثل كتاب عمار على حسن «شبه دولة.. القصة الكاملة لتنظيم داعش»، وكتاب «نساء داعش.. سبايا ومحظيات» لأسماء مصطفى كمال، وكتاب «صوت الإمام» لأحمد زايد، وكتاب «دولة الإمام.. متى تخلع مصر عمامة الفقيه» لرباب كمال، وكتاب «أديان وطوائف مجهولة.. حقيقة واحدة ووجوه عديدة» لرضوى الأسود.

ومن مزايا الكتاب أنه لا يكتفى بنقد التسلف، إنما يسعى إلى طرح بديل أو «ثقافة بديلة»، فيعيد سؤال النهضة، ويتقصى ماهية الحداثة، ويقف على خصوصية مصر وهويتها، وفريضة التجديد ودور الأزهر فى هذا. متكئا فى هذا إلى العديد من الكتب المهمة التى تناولت هذه القضايا، وهنا يطل برؤوسهم مفكرون مصريون مهمون عبر كتبهم مثل توفيق الحكيم ويحيى حقى وجمال حمدان ومحمد عمارة.

ومن مزايا الكتاب أيضا أنه لا يقف عند مقارنة التسلف بغيره داخل المذهب السنى، إنما يقارنه بالفكر الشيعى، عارضا فى هذا نظرية الإمامة، وما يقوم حولها من جدل، وعائدا إلى الجذور السياسية للصراع المذهبى بين المسلمين، ليجد فى تحكيم العقل السبيل إلى الخروج من هذه الشرنقة، مستندا فى هذا على رأى أبى العلاء المعرى الذى قال فى بيت شعر شهير:

كذب الظن لا إمام سوى العقل.. مشيرا فى صبحه والمساء

فى الحقيقة فإن التيار السلفى على اختلاف مدارسه وتوجهاته يضرب بجذور عميقة فى تربة التصور الإسلامى وتاريخ المسلمين على السواء، ولذا لا يمكن الإلمام بخرائط تواجده وانتشاره وعمقه الاجتماعى، ولا بطبيعة أطروحاته وأفكاره، ولا بشبكة علاقاته ومدركاته ونظرته للآخرين سواء داخل فضاء الدعوة والحركة الإسلامية أو خارجه، من دون العودة إلى الأسس التى انطلق منها، والتى لا يزال يعيد إنتاجها فى الزمن الراهن من دون تغيير أو تعديل جوهرى، ظنا منه أن هذا هو «الطريق المستقيم» بالمعنى الدينى أو الاعتقادى، وأيسر السبل إلى الخير والإنجاز بالمعنى الاجتماعى والسياسى والاقتصادى، وذلك اتكاء على ما نُسب إلى الرسول الكريم من قوله «خير القرون قرنى ثم الذى يليه»، وكذلك وفق تصور يعتقد فى أن من رأوا النبى وصحابته هم الأكثر قدرة على الوصول إلى الجوهر العميق للإسلام وتطبيق فرائضه وتعاليمه، وأن ما كانوا عليه يجب أن يكون عليه كل المسلمين مهما تقدم الزمن وتغيرت الظروف.

وعلى مدار القرون التى خلت والتيار السلفى يمر بأوقات ازدهار وانحسار، صعود وهبوط، لكن وجوده لم ينقض، وأطروحته لم تنته، بل انكمشت حين وجدت صدودا من السلطة أو المجتمع ولا سيما طليعته الفكرية وصفوته الاقتصادية، ثم تمددت حين أقبلت عليه. ويعود هذا بالأساس إلى أمرين:

الأول هو أن السلفية ليست تنظيما محكما له رأس وأتباع، بل هى تيار تنتقل أفكاره من مكان إلى مكان، ومن جيل إلى جيل، حتى ولو بأجنحة مهيضة، وتجد دوما من يعتقد فى أنها تمثل الدين فى صفائه أو أصله الأول، ولذا يتمسك بها، ويدافع عنها دفاعا مستميتا. فكثير من التنظيمات المعسكرة والمسيسة أبيدت عن آخرها، وصارت أثرا بعد عين، بل إن بعض ما كانت تؤمن به من تصورات ذاب معها وصار نسيا منسيا، بينما بقيت السلفية على قيد الحياة.

يتم استدعاؤها من قبل البعض على أنها «الحل السحرى» كلما تأزم المسلمون، وتملكهم حنين جارف إلى أيام مجدهم الغابر، فظنوا أن بوسعهم أن يستعيدوا التاريخ بحذافيره، بشخوصه وسياقاته ومقولاته، فى ماضوية تتجدد كلما تجددت الهزائم والانكسارات.

أما الثانى فهو أن السلطات السياسية المتعاقبة على مدار تاريخ المسلمين وجدت فى «السلفية الوديعة المستأنسة» نصيرا مضمونا لمواجهة التنظيمات المناوئة للحكم والتى ارتدت ثوبا دينيا أو وظفت خطابا دينيا فى تعبئة الناس حولها، وتبرير مسلكها. وإذا كان هناك شيوخ كبار قد ناطحوا السلاطين فى بعض المواقف، مثل ابن حنبل وابن تيمية، فإن الغالبية منهم إما صبروا على جورهم أو تساوقوا معهم وجاروهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى نقد الفكر السلفى كتاب وقضية فى نقد الفكر السلفى كتاب وقضية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon