بقلم - عمار علي حسن
ما إن يموت واحد من المفكرين والأدباء والفنانين حتى تسارع كتائب جماعة الإخوان الإلكترونية بالقول: «نفق فلان»، وهو فعل يطلق على الموتى من الحيوانات. ويتعجب عموم الناس من هذا القول الإخوانى، وينعتون أتباع الجماعة بأنهم قوم شامتون شتامون، لكن الأغلبية الكاسحة من المتعجيبن لا يدركون أن هذه الشماتة يبررها أتباع جماعة البنا على أنها واقعة فى قلب «فقه النكاية».
ويا ليت الإخوان وقفوا فى نكايتهم عند هذا الحد، بل نقلوها إلى جانبها الأخطر، والشق الثانى من تعريفها، المرتبط بقهر من يعتبرونهم أعداءهم، لهذا تبدأ رحلة القتل والتخريب، التى تتم فيها تصفية بعض من ترى الجماعة أنهم قد وقفوا ضد حكمها لمصر، وتخريب المنشآت والمؤسسات الخدمية بغية إنهاك الدولة.
وقد بلغ هذا المسار الأسود مداه مع تنظيم داعش، الذى يعد النكاية المرحلة الأولى فى طريقة إلى السيطرة التامة على بعض الدول، والتى تمر بإدارة التوحش، حيث الإفراط فى القتل والتدمير بغية إنهاك الدولة القائمة، وإسقاط سلطتها المركزية. كعادتهم بحث الإخوان عن تبرير فقهى مغلوط للأعمال التى ارتكبوها عبر أذرع عسكرية للجماعة فى مقدمتها «تنظيم حسم»، سوقوها على أنها «عمليات نوعية» ترمى إلى إنهاك الدولة، بغية إسقاط السلطة الحالية، وزعموا أن الانتقال إلى مثل هذه العمليات لا يعد خروجا على منهجهم، وقالوا جهارا نهارا إن «السلمية ليست من ثوابت الإسلام وليست من ثوابت الجماعة، وأن النزعة الجهادية استقرت كعقيدة فى صلب منهجية حسن البنا»، والجهاد الذى قصدوه هنا هو الإرهاب بالطبع، رغم أن مرشدهم الحالى قال من على منصة رابعة: «سلميتنا أقوى من الرصاص».
لم يكن هذا التبرير سوى ما يسمى «النكاية» التى يعتمد تطبيقها على استخدام القوة العنيفة بلا تردد، وهو جزء من منهجية الإخوان كما قال مؤسس الجماعة حسن البنا فى رسالة المؤتمر الخامس: «أما القوة فشعار الإسلام فى كل نظمه وتشريعاته، فالإخوان المسلمين لا بد أن يكونوا أقوياء ولا بد أن يعملوا فى قوة»، ثم لم يلبث أن ترجم كلامه عمليا فى فتح باب التدريب على السلاح.
وفى 2015 أصدر القيادى الإخوانى الراحل محمد كمال دراسة مصغرة بعنوان «فقه المقاومة الشعبية»، ضمن دراسات سماها التأصيل الشرعى لوجوب مناهضة النظام الحاكم، مثل «زاد الثائر» و«دليل السائر» و«كشف الشبهات»، وهى مرجعية لدى شباب الجماعة الذى انخرط فى العنف. تعاملت الدراسة مع الدكتور محمد مرسى بصفته «أول إمام تنعقد له بيعة صحيحة»، ومع دستور الإخوان الذى صدر عام 2012 على أنه «عقد البيعة»، وأن الشعب بموافقته على «الإمام» و«العقد» يجب أن يلتزم بطاعة مرسى وحمايته، واصفا نظام حكم ما بعد إسقاط الإخوان بأنه قد جمع رذائل البغاة والخوارج والمحاربين، أى المعتدين الخارجين على الملة، وعلى الإمام الشرعى، وبذا يستحقون حد الحرابة، وإعمال فقه النكاية فيهم، بقتالهم واستحلال أموالهم.
ويضع القيادى الإخوانى عدة خطوات لتنفيذ تلك النكاية تحت لافتة «مراحل قتال النظام ورد الصائل»، تبدأ لديه بالتذكير عبر المؤتمرات والتظاهرات، ثم التهديد، بعدها يأتى الضرب، الذى يبدأ بمناوشات خفيفة مع قوات الأمن، ثم القتل، واغتيال رموز القوى المدنية التى وقفت ضد حكم الإخوان، وبعدها الدخول فى عملية إنهاك الدولة واستنزافها، دون التورط فى حرب شاملة مفتوحة على كل الجبهات، إنما هجمات نوعية، تتم وفق ما يقتضيه الموقف تأسيسا على ما يسميه «فقه الموازنات».
ومن هنا بدأت مطالبة «شباب الإخوان» بالإكثار من العمليات النوعية لأن «العمليات الشبابية غير المحسوبة على التنظيمات الكبيرة، يمكنها أن تسدد ضربات موجعة»، كما طالب قيادات الإخوان بألا يتبرعوا بتخطئة هؤلاء الشباب طالما التزموا بالخطوط العريضة للحراك، بل ينبغى أن يدعموهم وإن لم يكن فى العلن أو على المستوى الرسمى. وهذا بالطبع يفسر كثيرا من العمليات الإرهابية التى شهدتها مصر فى سنوات ما بعد رحيل الإخوان عن الحكم، ولم يعلن أحد مسؤوليته عنها. وعلى التوازى مع الإخوان أخذت النكاية مداها لدى داعش، تحت لافتة «ضربة عصا على رأس العدو»، وهى تمثل المرحلة الأولى فى مشروع التنظيم الإرهابى، وتقوم على إنهاك المجتمعات التى يحتلها التنظيم، توطئة للتحكم فيه وفق ما يسمى «إدارة التوحش» التى يتبعها ما يعتقد هذا التنظيم الإرهابى أنه «التمكين».
وتعنى «شوكة النكاية والإنهاك» استمرار الهجوم بلا هوادة بغية إنهاك الحكومة المركزية حتى تتخلى عن إدارة المنطقة التى يقصدها داعش، وهى تبدأ بعمليات محدودة لا تتوقف، ثم تتصاعد فستهدف تدمير البنية التحتية بالكامل، على يد خلايا أو مجموعات إرهابية منفصلة، تنشط فى كل الدول المسلمة، حتى تعج بالفوضى، ولا يكون أمام مجتمعاتها من سبيل سوى القبول بحكم داعش. وتجرى النكاية وفق خطوات محددة، أولها إنهاك القوات الحكومية والمتعاونة معها وتشتيت جهودها، ومنعها حتى من التقاط أنفاسها عبر عمليات متواصلة، وإن كانت محدودة. وثانيها العمل على تعبئة إرهابيين من كل حدب وصوب لخوض هذه المعارك. وثالثها إخراج المناطق المستهدفة من قبضة السلطة المركزية. ورابعها تدريب المجموعات الإرهابية على مختلف فنون القتال، وتأهيلهم للقيام بالمرحلة التالثة التى تسمى «إدارة التوحش».
هكذا تبدأ النكاية لدى الجماعات الدينية طالبة السلطة السياسية، من الإخوان إلى داعش، بالتشفى والشماتة التى لا يراعى فيها الحد الأدنى من الأخلاقيات التى يجب أن يتحلى بها المسلم، لتصل إلى القتل فى أبشع صوره، والتدمير فى أقسى حالاته، مع أن الرسول (ص) قال بوضوح «إنما بعثت لأتتم مكارم الأخلاق» وخاطبه ربه فى القرآن الكريم: «وإنك لعلى خلق عظيم».
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع