توقيت القاهرة المحلي 15:52:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإنتاج والإنتاج ثم الإنتاج

  مصر اليوم -

الإنتاج والإنتاج ثم الإنتاج

بقلم:عمار علي حسن

نعيش اليوم بؤس إهمال الإنتاج، أو حتى الالتفات إليه ثم إسناد إدارته إلى من ليس أهلاً لذلك. ولو كان هذا المسار قد لقى انشغالاً واهتماماً به أولاً، وقبل أي شىء، لما دخل اقتصادنا هذا النفق الطويل، وبتنا في حاجة إلى بيع أصول الدولة لتسديد أقساط الديون، أو الطاعة شبه التامة لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين وإملاءاتهما.

كان من الضرورى أن نمضى على التوازي في المشروعات الإنتاجية، وتلك التي تقيم البنية الأساسية، أو نؤجل جانباً من الثانية إلى أن تنطلق الأولى قوية عفية، ومن وفورتها تُبنى المدن، وتُشق الطرق وتُعبّد، ويُسد الدين المتراكم، ويتوقف الاقتراض نهائياً. أو ننشغل من هذه البنية بما له علاقة مباشرة بالإنتاج، يخدمه في كل وقت، ويفتح أمامه الأفق، أو يضمن له قوة انطلاقه في كل حين.

لا يمكن الاحتجاج بتلك العبارات السهلة التي تجرى على ألسنة المبررين أو المستسلمين، من قبيل أن المصريين قد تعلموا الكسل، أو أنهم ينزعون إلى الاستهلاك دون رويّة، أو أنهم يريدون الكسب دون جهد، والحصاد دون زرع. ففي واقعنا آلاف من الحالات وقصص النجاح البارزة، التي تؤكد أن شعبنا يريد أن يعرق ويفلح وينجح، وآلاف غيرها تقول إن المصرى إن وجد بيئة عمل ملائمة فعل المستحيل، حتى بأقل القليل.

لا يعني هذا بالطبع أن مجتمعنا يخلو من الكسالى، والاتكاليين، والساعين إلى خطف المال بأي طريقة، لكن هؤلاء موجودون في كل المجتمعات، بما فيها هذه التي وصلت في الإنتاج والتصدير إلى مستوى متقدم جداً. كما أن جانباً لا يُستهان به من أسباب وجود هؤلاء لدينا هى الظروف الصعبة، والسياسات التي سقطت من علٍ، فغيرت الكثير من قيم العمل وعلاقاته، وأنماط الاستهلاك، وفي هذا تُلام سلطات متعاقبة، ولا يُلام شعب وجد نفسه موضع تجريب سياسات اقتصادية، لم تُدرس على نحو علمي دقيق.

لكن عدد من تبقوا مخلصين للعمل الحقيقى المنتج، يكفي تماماً. ولو وجد هؤلاء بيئة مناسبة وخطة مدروسة، لدفع عجلة الإنتاج، حسب المجاز المتداول في الأدبيات الاقتصادية، لحققوا انتعاشاً اقتصادياً في زمن قياسي، أو على الأقل أوقفوا التدهور، وفق ما هو متعارف عليه في التاريخ الاقتصادي المصري، أو استعراض النماذج الناجحة، التي حافظت على نفسها سنين طويلة، رغم الظروف الصعبة المعاندة، حيث وجدنا مدناً أو قرى أو مناطق متميزة بإنتاج سلعة معينة، وبلغت حداً في الإتقان إلى درجة أن هناك من يطلبها في الخارج على الدوام.

مع هذا يتم إغفال هذا التاريخ، وهذه النماذج، لنجد الإنتاج في مصر قد بات متوعكاً، لأسباب كثيرة، بعضها متوارث وبعضها مستجد، مثل: الإفراط في الإنفاق على البنية التحتية عبر الاستدانة، وغياب الخطة، وسوء الإدارة، ونقص مستلزمات التشغيل في ظل أزمة توفير الدولار، علاوة على المشكلات الخاصة بالضرائب، والتحجر البيروقراطي، ومنظومة التشريعات والقوانين.

وأدى ضعف إنتاجنا إلى طمع الآخرين في مصر كسوق استهلاكية ضخمة، فرغم تدنى دخول أغلبية السكان قياساً إلى ما هو مطلوب لتحقيق الاكتفاء من الاحتياجات الضرورية، فإن القوة البشرية لمصر، ومهما كان حجم الإنفاق، تجعلها سوقاً رائجة، لمنتجى الغذاء والدواء والكساء والأدوات والأجهزة المنزلية.

إننا في حاجة إلى تشجيع الإنتاج، حتى على المستوى الأدنى، فملايين السواعد التي تمتد لتبنى، بوسعها أن تعوض إخفاق مشروعات كبرى أنفقت عليها مئات المليارات، ولم تجدِ نفعاً. وبوسع الدولة أن تضع الخطة، أو الخطوط العريضة، ثم تترك الحافز الفردى يؤدى دوره الطبيعى في الحياة الاقتصادية. فكل شخص سيقاتل في سبيل إنجاح مشروعه، وجمع هذه المعارك الإيجابية الصغيرة، ستشكل رافعة لمعركة اقتصادية كبرى، يجب أن نخوضها الآن، بلا تردد.

لتبحث مصر الرسمية، عن شىء نتمتع فيه بـ«ميزة نسبية»، وتكرس له التفكير والجهد والمال والتشجيع، فتنتج سلعة يطلبها العالم منا، وهى مهما كانت صغيرة أو بسيطة، فإن انفرادنا أو تميزنا فيها، سيفتح الباب لبلادنا لتصدر، وتسهم في حركة الاقتصاد العالمى كله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإنتاج والإنتاج ثم الإنتاج الإنتاج والإنتاج ثم الإنتاج



GMT 09:33 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ترتيبات استقبال الإمبراطور العائد

GMT 08:36 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مجدي يعقوب والعطاء على مشارف التسعين

GMT 07:59 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

هل مسلحو سوريا سلفيون؟

GMT 07:58 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

عند الصباح

GMT 07:57 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أزمة الغرب الخانقة تحيي استثماراته في الشرق الأوسط!

GMT 07:56 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

القرضاوي... خطر العبور في الزحام!

GMT 07:54 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مخاطر الهزل في توقيت لبناني مصيري

GMT 07:52 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

لعنة الملكة كليوباترا

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية
  مصر اليوم - ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon