بقلم - عمار علي حسن
(1)
شىء حسن أن يتم رفع الرواتب والأجور والمعاشات، لكن الأحسن أن يكون هذا في إطار نزوع كامل إلى العدالة الاجتماعية، ودون استدانة جديدة، أو طباعة مزيد من النقود بما يطلق التضخم، والأروع تُضبط الأسعار وإلا أخذ التجار الزيادة، وصار الموظفون والعمال وخزينة الدولة مجرد أداة لزيادة ثرواتهم. لا تعطونا كى نعطى التجار الجشعين. احمونا منهم أولا، بما لدى الدولة من سلطان.
( 2 )
لست ممن يقبلون اللجوء إلى جهات أجنبية لشرح المسألة المصرية، فهذه لم تنفع على مدار ومسار تاريخنا كله، ولا تروق لى حتى إن فعلها أتباع السلطة حين يخاطبون الخارج أكثر مما يخاطبون الداخل، لكن لا يُعقل أبدا، أن يُحاصر معارضون حتى يضطروا لهذا، ولا يُعقل أن تتصرف نقابة مهنية وكأنها نقطة أمنية، فضرر هذا على صورة مصر كبير لو كان مجلس النقابة يعلم، لكنها آفة الأمية السياسية.
(3)
إن انتقدت السلطة قال أنصارها: تفعل هذا لأنك لم تنل منها شيئا. وأقول لهؤلاء وهو ثابت، إننى رفضت منصب وزير الشباب مرتين، ووزير الثقافة مرة، ورئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير مؤسسة صحفية مرة، ومستشار رئيس الوزراء مرة، ولما ضغطوا علىَّ في الأخيرة اشترطت أن أعمل بلا أجر فرفضوا. الكاتب أبقى، والموهبة هي المنصب التي لا يستطيع أحد أن يقيلك منه إلا الله.
(4)
ينفصل العلم عن القرار بشكل مروع، وفى أغلب الأشياء، في القمة والقاع، في المؤسسات الكبرى والصغرى. آخر هذه الآفة أن هيئة الأرصاد الجوية حذرت من إقامة مباراة الأهلى والزمالك في برج العرب؛ لأنها ستكون ليلة مطيرة، والملعب لا يتحمل، لكن اتحاد الكرة صمم على قراره، لأنه لا أحد يريد أن يتراجع حتى لو قيل له منذ البداية: تنتظرك كارثة.
(5)
أي عملية اقتراع أو استفتاء تحتاج إلى تحرير قرار الناس من كل قيد قد يكون توظيف الدين في السياسة بطريقة لا أخلاق فيها، أو المتاجرة بالظروف الأمنية الصعبة، أو لجهل في تقدير الأمر، أو عدم إعطاء أصحاب الرأى المخالف فرصة كافية للدعاية السليمة، كى يعرف الناس الصالح من الطالح.
(6)
أتجنب تعريف السياسية بوصفها «فن الممكن» كما هو شائع، وأعرفها بأنها «إدارة الاختلاف والتنوع بكفاءة بما يساعنا على التقدم نحو الهدف الذي نصبو إليه»، وهذا ما نحن في أشد الحاجة إليه الآن.
(7)
«من يعتلى أي مؤسسة في مصر يكون له حق التصرف فيها كأنها عزبة قد ورثها عن أبيه، لهذا أصبح على أن أواصل تمردى ومقاومتى، دون أن أعرف متى يتوقف هذا العناء، لكننى آمنت بأن من يعارض نظامًا سياسيًا لا يجب أن يشغله نزال إدارى على شىء ضئيل».. من سيرتى الذانية الصادرة مؤخرا في كتاب «مكان وسط الزحام».
(8)
أغلب رجال المال، وأصحاب المصانع والأعمال في زماننا لا يكلفون أنفسهم عناء الإنفاق بانتظام على تدريب عمالة ماهرة، الله يرحم أيام أبورجيلة الذي كان يصلح الحفر في الشوارع على حسابه الخاص، حتى يسهل الطريق أمام قوافل السيارات التي كان يملكها، ويؤجرها لسكان القاهرة.
( 9 )
خرج علينا وزير الخارجية المصرى ليقول: «تجمعنا مصلحة مشتركة مع أمريكا لتحقيق الاستقرار بالمنطقة». وهذا كلام يتناقض مع تصريحات رسمية سابقة، ومع ثرثرة إعلامية من مذيعى القنوات التابعة للسلطة في مصر، فجميعهم يقولون لنا ليل نهار: أمريكا لا تريد استقرارا في العالم العربى، وإنما تمضى لتحقيق «الفوضى»... إلى أي بر نرسو يا وزير الخارجية، أم الكلام السابق للاستهلاك المحلى فقط.
(10)
نستعد لما بعد داعش، أو داعش المعدل حسب إرادة أجهزة المخابرات الأجنبية التي صنعته. وهنا يخشى نقل الدواعش إلى مكان آخر خارج سوريا والعراق ليخوضوا حربا جديدة بأمر من يخطط، ويروج لهم، ويمدهم بالمال والسلاح. قادة التنظيم عملاء يعرفون من يعملون لصالحه والأفراد مغرر بهم يحسبونها جهادا.
فالبغدادى ومن معه صناعة المخابرات الأمريكية، إنها اللعبة التي ورثتها أمريكا من إنجلترا، حين سلمت لها قيادة العالم، وهى تكوين جماعات متطرفة لضرب الحركات الوطنية الساعية إلى تحديث الدول وتقدمها، حدث هذا في مصر والهند وغيرهما، مستغلة بالطبع اللامعقول والظلامى في الكتب الصفراء القديمة.
(11)
في ذكرى رحيل الموسيقار المجدد محمد القصبجى أقول: من ينسى رائعته الخالدة «رق الحبيب» وأغنيته الفاتنة «ما دام تحب بتنكر ليه» وأعنيه «إن كنت أسامح» التي كانت بداية انطلاق أم كلثوم. القصبحى كان عبقريا، سابقا لزمنه في الموسيقى، وبدا كذكر النحل الذي لقح الملكة، وانقضى أجله مع «رق الحبيب»، فبعدها تصور أنه لن يكررها، فحرمنا من كثير.
(12)
يوم وفاة أحمد خالد توفيق هاتفنى إعلامى كبير طالبا استضافتى لأحلل ما وقع في الجنازة الحاشدة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعى. وقال لى: أنت أديب وباحث في علم الاجتماع السياسى واتصور أنك ستقدم تفسيرا لهذه المسألة. اعتذرت له يومها لأنى كنت على سفر، لكن أتذكر أن ما دفع الإعلام إلى السؤال هو أن السلطة قد فوجئت بأن بوسع أديب لا تعرف عنه شيئا أن يكون له هذا التأثير.. الكلمة أبقى.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع