بقلم - عمار علي حسن
(1)
أي حوار مجتمعى حول تعديل الدستور لابد أن يكون متكافئا وعلنيا وممثلا لكل الآراء والمواقف: الموافقون والرافضون والمتحفظون، ومراعياً لمصالح الشعب الحقيقية، وملزماً بحيث تترجم نتائج النقاش العميق إلى نصوص، غير ذلك يكون مجرد قلادة زينة، وذرا للرماد في العيون.
وعلى الذين يقولون لنا إن الدستور ليس «نصا إلهيا» أن يتصفوا بقدر من العدالة والإنصاف، فيكملوا العبارة التي تقر بوضوح بأن الدستور، في حقيقته وعند كل الشعوب المتحضرة، لا يمكن أن يكون مجرد «جملة اعتراضية» أو «نص عابر» أو شىء من قبيل التحسينات، إنه «القلب» في جسد الدولة، وليس «زائدة دودية» يمكن استئصالها في أي وقت بهذه البساطة، دون أن تتأثر الوظائف الحيوية للجسم.
(2)
مصر لا يمكن اختصارها في شخص ولا في نظام حكم، ولا في مؤسسة. مصر عند من يحبونها بصدق هي معانٍ وأشياء كثيرة، طولا وعرضا، قديما وحديثا ومستقبلا، وفى العقل والقلب والضمير. إن فهمها من يدافعون عن تدابير السلطة هكذا سنتفق معهم في هذه النقطة، أما إن اختزلوها في حكم فسنختلف معهم اختلافاً بيّناً. في كل الأحوال قد تتطابق الغايات لكن ليتسع صدر وعقل من يدافع هؤلاء عنهم لرأى آخر في الأساليب المتبعة، والإجراءات المطبقة، والتصورات التي تحكم التصرفات، فمحبة مصر ليست حكرا على أحد، والتفكير الصائب في المصلحة الوطنية حق متاح للجميع، دون استثناء، وبلا تفرقة.
(3)
لولا قول «لا» ما تقدم البشر خطوة واحدة إلى الأمام، إنها «لا» النافية للعجز والرضوخ والكسل والاستعباد والطغيان. إنها مفتاح «العناد الإيجابى» الذي بُنيت على أكتافه الحضارات الإنسانية، ونال البشر حريتهم تباعا.
(4)
أقول للمتعجبين مما فعله الإرهابى النيوزيلندى الذي فتح النار على المصلين بالمسجد فقتل منهم خمسين شخصاً: إن قبله بقرون طويلة قتل مسيحيون علماء مصر القديمة، وأبادوا ديانتهم، وتطاحن الكاثوليك والبروتستانت بأوروبا فسقط مئات الآلاف من البشر، وشجع كهنة بوذيون قتل مسلمى بورما، ومثلهم في الهندوسية فعلوا هذا، ويقتل إسرائيليون فلسطينيين بدوافع دينية أحيانا نظرا ليهودية الدولة، وما يفعله ويؤمن به «جيش الرب» في أوغندا المنتمى زوراً إلى المسيحية لا يختلف عما يفعله داعش المنتمى زورا إلى الإسلام، مع اختلاف الصيت والذيوع بين التنظيمين الإرهابيين. هنا أدعو لقراءة كتاب «أعداء الحوار» للإيطالى ياكوبوتشى لنجد أن كل الأديان والثقافات أنتجت المتطرفين والإرهابيين، لكن الإرهاب الذي يظن أهله أنه تطبيق للإسلام بات الأعلى صوتا في العقود الثلاثة الأخيرة.
لقد لعبت الصور النمطية المغلوطة التي بثتها وسائل الإعلام ومناهج التعليم وتصريحات بعض الساسة وتصرفاتهم دورا في نشر ثقافة الكراهية، وجاءت الترامبية لتوقظ العنصرية النائمة، وتجعل العنصرية الصامتة تنطق. ونراهن على عقلاء من أهل الفكر والأدب والفن ومنتجى المعرفة الدينية على اختلافهم في مقاومة هذه البشاعة، كما يجب أن يكون للأمم المتحدة دور أكبر في تعزيز ثقافة التسامح والتعايش والحوار، وتلتزم الدول بهذا، بحيث نقر مبدأ: «كما تتعلم لتعمل عليك أن تتعلم لتتحضر وتتعايش». وعلينا أن نؤمن بأن هناك دوما من يهزمون الإرهاب في كل مكان. فالتيار الاجتماعى العريض في العالم ضد التعصب وثقافة الكراهية، ولهذا سيظل الإرهابيون مهما قويت شوكتهم معزولين ضعفاء، تستخدمهم أجهزة مخابرات أو تدفعهم ثقافات مقيتة أو سياسات بغيضة لتصرفات حمقاء، لكنها سرعان ما تموت تحت أقدام الزاحفين إلى السلام.
(5)
كان الشيخ الشعراوى، رحمة الله عليه، عضواً بجماعة الإخوان في شبابه، وتأثرت سلبا لهذا عضويته بحزب الوفد، وناهض النحاس باشا، لكنه لم يلبث أن اكتشف أن الجماعة التي تزعم ربانيتها ورغبتها في نصرة الإسلام ليست سوى مشروع سياسى محض، غايته السلطة، وفى سبيل هذا يلوى عنق القرآن والسنة ليصل إلى ما يريد، فيحول الإسلام من دين عظيم إلى أيديولوجيا بائسة، ولهذا ما كان من الشعراوى سوى أن رفض جماعة الإخوان ونقدها ونقضها.
(6)
لا خوف على وطن يضحى شبابه بأرواحهم من أجله. إنها تضحية للأهل والأحبة والصحبة والمكان والناس، وأى فضل لهذا البلد علينا حتى ولو قليلا، وصدق شوقى: «بلدى ولو جارت علىّ عزيزة.. وأهلى ولو ضنوا علىّ كرام»، و«وطنى وإن شُغلت بالخلد عنه.. نازعتنى إليه في الخلد نفسى».. الله يرحم كل شهدائنا الذين فاضت أرواحهم إلى بارئها وهم يدافعون عنا في وجه الإرهابيين القتلة الفجرة.
(7)
من قال إن لكل منا جميعا أمًّا واحدة؟.. أنا لى من الأمهات ثلاث، التي أنجبتنى وأرضعتنى وساهمت في تربيتى، وجدتى لأمى التي لم تنجب ولدا فكنت ولدها، وغمرنى حنانها، وخالتى الوسطى التي أعانت أمى في تربيتى، وسردت على سمعى حكايات مدهشة وشدت بأغنيات عذبة. اليوم، سأقبل رأس ويد أمى الأولى، أمد الله في عمرها، وأترحم على أمى الثانية والثالثة.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع