( 1 ) موت السياسة بمطاردة التيار المدنى الوطنى العلنى السلمى معناه تسليم مصر بعد حين لتنظيمات متطرفة وإرهابية تحاربها السلطة الآن. فالمتطرفون يجيدون العمل تحت الأرض، ويتمددون رغم القبضة الأمنية الشديدة طالما أن أهل الحكم يخلون الساحة أمامهم من التيار المدنى. إنهم يصنعون مصرستان دون قصد.
( 2 )
لا أعرف من هذا العاقل الذين يظن أن مذيعى التوك شو بمصر يتحكمون فى رؤوس الناس. يا هذا، لقد فقدوا مصداقيتهم، ولم تعد شاشاتهم مؤثرة بعد أن غاب عنها الصوت الآخر، أو حتى الخطاب المقنع، وأى استطلاع رأى سيبين أن المصريين ذهبوا لإعلام آخر تراه السلطة معاديا لها لكنها بلا قصد تعمل لصالحه.
( 3 )
حين صدر حكم بسجن الأديب والفيلسوف والمناضل السياسى جان بول سارتر، لمعارضته بعض القوانين التى أصدرها الرئيس الفرنسى جورج بومبيدو، قال الأخير: «لا يمكن وضع الثقافة فى السجن»، وقبله رفض الرئيس ديجول اقتراح وزير داخليته بسجن سارتر لمعارضته حرب فرنسا على الجزائر وقال: وهل يُعتقل فولتير؟.
( 4 )
خرجت مظاهرة حاشدة من جامعة القاهرة متجهة إلى بيت الأمة، فلما وصلت إليه خرج سعد زغلول إلى المتظاهرين ليسألهم عن سبب مجيئهم، وهنا صرخ أحدهم متوجها إليه: نحن جنودك يا سعد، فقال له الزعيم: وأنا أريد جنودى أن يكونوا علماء.. (تتمة المقال ص١٢)
( 5)
حين يستدعى المدافعون عن الديمقراطية «دولة المدينة» لدى الأغريق الأقدمين كنقطة انطلاق قوية فى مسيرة البشرية نحو «حكم الشعب للشعب»، أو تمثيل عموم الناس فى الحكم، فإنهم من دون شك يرسمون صورة براقة، فى الغالب الأعم، تختلط فيها الحقيقة بالمجاز، معتمدين على أن معظم المثل السياسية العليا الحديثة، كالعدالة والحرية والحكومة الدستورية واحترام القانون، قد بدأت، أو على الأقل بدأ تحديد مدلولها، بتأمل فلاسفة الإغريق نظم دولة المدينة التى كانت تحت أنظارهم، لكن التعامل مع ما جرى فى أثينا على أنه نوع من الديمقراطية المباشرة، بمعنى الحكم بواسطة الشعب كله، خرافة سياسية أكثر منها نظاما من نظم الحكم.
فهذا الاستدعاء يأتى فى السجالات السياسية الحالية عاما ومجملا وغائما ينبو عن التفاصيل الدقيقة، الفكرية منها والقانونية والإجرائية، وكلها تبين أن المسألة لم تكن بهذه الروعة التى يتم تصويرها الآن، أو حتى التى حاول زعيم الديمقراطية الأثينية بركليس أن يصورها، فى خطبة الرثاء الشهيرة لشهداء المدينة بعد هزيمتها المنكرة من أسبرطة التى كان يحكمها نظام عسكرى، وهى المرة الوحيدة فى التاريخ التى انهزم فيها جيش دولة ديمقراطية من نظيره المنتمى إلى دولة مستبدة.
فديمقراطية أثينا كانت محل نقد لاذع من أحد الارستقراطيين فى كتيب، نسب خطأ إلى زينوفون، رأى فيه أن الدستور الأثينى هو أداة ديمقراطية ممتازة، وهو فى الوقت نفسه صورة صادقة للحكم شديد الانحراف، حيث إنها تعكس مصالح القابضين على تجارة ما وراء البحار، وتكون أحيانا حيلة لابتزاز الأغنياء لصالح الفقراء، أو وسيلة لتنفيع ستة آلاف رجل من المحلفين يشكلون المحاكم الشعبية. لكن هذا النقد، الذى وصل إلى حد الغبن من جعل الرقيق يرفعون رؤوسهم قليلا، لم يؤثر على الصورة المتخيلة لأثينا القديمة، بقدر ما زادها بهاء، مع تقدم البشر نحو المساواة والحرية.
ولدى العرب والمسلمين نموذج آخر لـ «دولة المدينة»، التى يقصد بها صيغة التعامل وإدارة المجتمع التى قامت فى يثرب بعد أن هاجر إليها الرسول محمد (ص)، وانطلقت منها «الإمبراطورية الإسلامية» بعد انتقاله إلى جوار ربه. فالنازعون إلى توظيف الإسلام فى تحصيل السلطة السياسية طالما يعودون إلى هذه التجربة متخذين إياها نقطة انطلاق، وربما تكأة، لتبرير الانغماس فى السياسة، حتى لو تحول الدين معهم إلى أيديولوجيا، وربما يكثر هؤلاء من استعارة ما قاله مونتجمرى واط من أن الرسول (ص) قد «مارس طيلة حياته وظائف النبى والمشرع والقائد الدينى وكبير القضاة، وقائد الجيش، ورئيس الدولة المدنى، فى دور واحد»، مع أن هناك من يفند هذا تماما مستندا، ليس إلى الروايات التاريخية السياسية المعرضة للتحريف والتحوير وفق المصالح والأهواء، إنما إلى القرآن الكريم، وهو الكتاب المؤسس للإسلام، الذى لم يخاطب الرسول أبدا بوصفه ملكا، إنما بشر ونبى ورسول، أو إلى اللحظة الأخيرة فى حياة النبى التى أمر فيها صاحبه أبا بكر أن يصلى بالناس، وليس أن يأتى إليه ليتسلم أختام وأوراق وأسرار حكم، بما يؤكد أن النبى أراد أن يؤكد أن ما جاء بها «دعوة» وليست «دولة»، وأن ما كان ينفيه عمه أبو طالب من كلام أبى سفيان حين كان يقول له: «إن ملك ابن أخيك» هو الرسالة الحقيقية للإسلام، وهى نبوة وليست ملكا، إنما حوله إلى هذا من كان لديهم مشروع سياسى يقوم على التوسع باسم الدين، وهو يتجدد الآن مع أطروحات الجماعات والتنظيمات الإسلامية التى توظف الدين فى تحصيل السلطة السياسية والثروة، وتستعير «دولة المدينة» فى جزيرة العرب، وليس فى بلاد الإغريق، لتكون نقطة الانطلاق والتبرير، مع أن هذه الاستعارة قد تكون منحولة أساسا، إذ ليس هناك ما يمنع فى ظل تأثير الإرث الفكرى الإغريقى على فقهاء وفلاسفة ومفسرى المسلمين أن يكون اصطلاح «دولة المدينة» هو أحد مظاهر هذا التأثير.
( 6 )
رأيته أيها الرفاق
يتبدل فى الأفق البعيد من تربيع إلى محاق
لكن نوره يموت فى الفراغ
يطفئه غل الذين ينظرون إلى أعلى والغضب يحرق قلوبهم
طالبين من السماء أن تصب لعنتها على كل من لا يمشى خلفهم
كنعجة جائعة، كعبد فى سوق نخاسة، كمسافة تزول
بين روح كسيرة وجسد مستباح
كالحد الفاصل بين الظل والحرور
ككأس يدور
على شفاه السكارى فلا يبقون منه سوى الفراغ
كصدفة تتقاذفها الأمواج العالية
كذرة رمل تكنسها الريح من فوق الرابية
فتحنى هامتها نحو الهاوية
وحين تدوسها أقدام العابرين
تعلق فى ثقوب النعال الثقيلة
كالقتيلة
التى تمنح قاتلها دمها كى يطلى به الرمل ويسقى الحصى
فيا أيها الواقف فوق جثتى
امنحها ثانية واحدة كى تعانق الخواء
فالذين يرحلون بغتة لا يعرفون الحد الفاصل بين هنا الذى كان
وهناك الذى يكون
والجنون
أن تقول بملء فيك: الأرض بوسعها أن تحيا بلا سماء
وجرحى يغلق بابه الوسيع بلا دواء
أما جرح الأرض
فحين نراه من الأفق المفتوح
نلقاه قد ملأ سطحها دمامل وقروح
يزدهى قيحها المعتق فى ضوء ذلك الذى يبزغ فجأة
مخلصًا خيوطه الذهب
من ستائر السحب
وحين يعود بدرا يتجلى أمام أبصارنا الكليلة
كل شىء حدثنا به السابقون وأخبرونا فى الخُطب
أن الحوريات غاضبات فى الأعالى ويمددن أثوابهن الفضفاضة
فيحجبن عنا النور
وكل ما وعدتنا به الكتب.
نقلا عن المصري اليوم