توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إعلام بلا ضمير.. وموت السياسة الذى يصنع «مصرستان»

  مصر اليوم -

إعلام بلا ضمير وموت السياسة الذى يصنع «مصرستان»

بقلم - عمار علي حسن

( 1 ) موت السياسة بمطاردة التيار المدنى الوطنى العلنى السلمى معناه تسليم مصر بعد حين لتنظيمات متطرفة وإرهابية تحاربها السلطة الآن. فالمتطرفون يجيدون العمل تحت الأرض، ويتمددون رغم القبضة الأمنية الشديدة طالما أن أهل الحكم يخلون الساحة أمامهم من التيار المدنى. إنهم يصنعون مصرستان دون قصد.

( 2 )

لا أعرف من هذا العاقل الذين يظن أن مذيعى التوك شو بمصر يتحكمون فى رؤوس الناس. يا هذا، لقد فقدوا مصداقيتهم، ولم تعد شاشاتهم مؤثرة بعد أن غاب عنها الصوت الآخر، أو حتى الخطاب المقنع، وأى استطلاع رأى سيبين أن المصريين ذهبوا لإعلام آخر تراه السلطة معاديا لها لكنها بلا قصد تعمل لصالحه.

( 3 )

حين صدر حكم بسجن الأديب والفيلسوف والمناضل السياسى جان بول سارتر، لمعارضته بعض القوانين التى أصدرها الرئيس الفرنسى جورج بومبيدو، قال الأخير: «لا يمكن وضع الثقافة فى السجن»، وقبله رفض الرئيس ديجول اقتراح وزير داخليته بسجن سارتر لمعارضته حرب فرنسا على الجزائر وقال: وهل يُعتقل فولتير؟.

( 4 )

خرجت مظاهرة حاشدة من جامعة القاهرة متجهة إلى بيت الأمة، فلما وصلت إليه خرج سعد زغلول إلى المتظاهرين ليسألهم عن سبب مجيئهم، وهنا صرخ أحدهم متوجها إليه: نحن جنودك يا سعد، فقال له الزعيم: وأنا أريد جنودى أن يكونوا علماء.. (تتمة المقال ص١٢)

( 5)

حين يستدعى المدافعون عن الديمقراطية «دولة المدينة» لدى الأغريق الأقدمين كنقطة انطلاق قوية فى مسيرة البشرية نحو «حكم الشعب للشعب»، أو تمثيل عموم الناس فى الحكم، فإنهم من دون شك يرسمون صورة براقة، فى الغالب الأعم، تختلط فيها الحقيقة بالمجاز، معتمدين على أن معظم المثل السياسية العليا الحديثة، كالعدالة والحرية والحكومة الدستورية واحترام القانون، قد بدأت، أو على الأقل بدأ تحديد مدلولها، بتأمل فلاسفة الإغريق نظم دولة المدينة التى كانت تحت أنظارهم، لكن التعامل مع ما جرى فى أثينا على أنه نوع من الديمقراطية المباشرة، بمعنى الحكم بواسطة الشعب كله، خرافة سياسية أكثر منها نظاما من نظم الحكم.

فهذا الاستدعاء يأتى فى السجالات السياسية الحالية عاما ومجملا وغائما ينبو عن التفاصيل الدقيقة، الفكرية منها والقانونية والإجرائية، وكلها تبين أن المسألة لم تكن بهذه الروعة التى يتم تصويرها الآن، أو حتى التى حاول زعيم الديمقراطية الأثينية بركليس أن يصورها، فى خطبة الرثاء الشهيرة لشهداء المدينة بعد هزيمتها المنكرة من أسبرطة التى كان يحكمها نظام عسكرى، وهى المرة الوحيدة فى التاريخ التى انهزم فيها جيش دولة ديمقراطية من نظيره المنتمى إلى دولة مستبدة.

فديمقراطية أثينا كانت محل نقد لاذع من أحد الارستقراطيين فى كتيب، نسب خطأ إلى زينوفون، رأى فيه أن الدستور الأثينى هو أداة ديمقراطية ممتازة، وهو فى الوقت نفسه صورة صادقة للحكم شديد الانحراف، حيث إنها تعكس مصالح القابضين على تجارة ما وراء البحار، وتكون أحيانا حيلة لابتزاز الأغنياء لصالح الفقراء، أو وسيلة لتنفيع ستة آلاف رجل من المحلفين يشكلون المحاكم الشعبية. لكن هذا النقد، الذى وصل إلى حد الغبن من جعل الرقيق يرفعون رؤوسهم قليلا، لم يؤثر على الصورة المتخيلة لأثينا القديمة، بقدر ما زادها بهاء، مع تقدم البشر نحو المساواة والحرية.

ولدى العرب والمسلمين نموذج آخر لـ «دولة المدينة»، التى يقصد بها صيغة التعامل وإدارة المجتمع التى قامت فى يثرب بعد أن هاجر إليها الرسول محمد (ص)، وانطلقت منها «الإمبراطورية الإسلامية» بعد انتقاله إلى جوار ربه. فالنازعون إلى توظيف الإسلام فى تحصيل السلطة السياسية طالما يعودون إلى هذه التجربة متخذين إياها نقطة انطلاق، وربما تكأة، لتبرير الانغماس فى السياسة، حتى لو تحول الدين معهم إلى أيديولوجيا، وربما يكثر هؤلاء من استعارة ما قاله مونتجمرى واط من أن الرسول (ص) قد «مارس طيلة حياته وظائف النبى والمشرع والقائد الدينى وكبير القضاة، وقائد الجيش، ورئيس الدولة المدنى، فى دور واحد»، مع أن هناك من يفند هذا تماما مستندا، ليس إلى الروايات التاريخية السياسية المعرضة للتحريف والتحوير وفق المصالح والأهواء، إنما إلى القرآن الكريم، وهو الكتاب المؤسس للإسلام، الذى لم يخاطب الرسول أبدا بوصفه ملكا، إنما بشر ونبى ورسول، أو إلى اللحظة الأخيرة فى حياة النبى التى أمر فيها صاحبه أبا بكر أن يصلى بالناس، وليس أن يأتى إليه ليتسلم أختام وأوراق وأسرار حكم، بما يؤكد أن النبى أراد أن يؤكد أن ما جاء بها «دعوة» وليست «دولة»، وأن ما كان ينفيه عمه أبو طالب من كلام أبى سفيان حين كان يقول له: «إن ملك ابن أخيك» هو الرسالة الحقيقية للإسلام، وهى نبوة وليست ملكا، إنما حوله إلى هذا من كان لديهم مشروع سياسى يقوم على التوسع باسم الدين، وهو يتجدد الآن مع أطروحات الجماعات والتنظيمات الإسلامية التى توظف الدين فى تحصيل السلطة السياسية والثروة، وتستعير «دولة المدينة» فى جزيرة العرب، وليس فى بلاد الإغريق، لتكون نقطة الانطلاق والتبرير، مع أن هذه الاستعارة قد تكون منحولة أساسا، إذ ليس هناك ما يمنع فى ظل تأثير الإرث الفكرى الإغريقى على فقهاء وفلاسفة ومفسرى المسلمين أن يكون اصطلاح «دولة المدينة» هو أحد مظاهر هذا التأثير.

( 6 )

رأيته أيها الرفاق

يتبدل فى الأفق البعيد من تربيع إلى محاق

لكن نوره يموت فى الفراغ

يطفئه غل الذين ينظرون إلى أعلى والغضب يحرق قلوبهم

طالبين من السماء أن تصب لعنتها على كل من لا يمشى خلفهم

كنعجة جائعة، كعبد فى سوق نخاسة، كمسافة تزول

بين روح كسيرة وجسد مستباح

كالحد الفاصل بين الظل والحرور

ككأس يدور

على شفاه السكارى فلا يبقون منه سوى الفراغ

كصدفة تتقاذفها الأمواج العالية

كذرة رمل تكنسها الريح من فوق الرابية

فتحنى هامتها نحو الهاوية

وحين تدوسها أقدام العابرين

تعلق فى ثقوب النعال الثقيلة

كالقتيلة

التى تمنح قاتلها دمها كى يطلى به الرمل ويسقى الحصى

فيا أيها الواقف فوق جثتى

امنحها ثانية واحدة كى تعانق الخواء

فالذين يرحلون بغتة لا يعرفون الحد الفاصل بين هنا الذى كان

وهناك الذى يكون

والجنون

أن تقول بملء فيك: الأرض بوسعها أن تحيا بلا سماء

وجرحى يغلق بابه الوسيع بلا دواء

أما جرح الأرض

فحين نراه من الأفق المفتوح

نلقاه قد ملأ سطحها دمامل وقروح

يزدهى قيحها المعتق فى ضوء ذلك الذى يبزغ فجأة

مخلصًا خيوطه الذهب

من ستائر السحب

وحين يعود بدرا يتجلى أمام أبصارنا الكليلة

كل شىء حدثنا به السابقون وأخبرونا فى الخُطب

أن الحوريات غاضبات فى الأعالى ويمددن أثوابهن الفضفاضة

فيحجبن عنا النور

وكل ما وعدتنا به الكتب.

نقلا عن المصري اليوم

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إعلام بلا ضمير وموت السياسة الذى يصنع «مصرستان» إعلام بلا ضمير وموت السياسة الذى يصنع «مصرستان»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon