توقيت القاهرة المحلي 07:28:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ظاهرة الصمت السياسي!

  مصر اليوم -

ظاهرة الصمت السياسي

بقلم- عمار علي حسن

ان كانت السياسة تبدأ بالكلام، كأي فعل إنساني واجتماعي، فإنها في الوقت نفسه لا تخاصم الصمت، بل إنه قد يكون أحياناً أحد تعبيراتها المتعددة. وينطوي هذا في حد ذاته على مفارقة أو مجاز، ولاسيما في أذهان مَن ارتبطت الممارسة السياسية في أذهانهم بالصخب والحركة الدائبة، والنزوع الدائم للفعل الظاهر.

ولكن تجاوُز هذا التصور الأكثر حضوراً في الأذهان والنظر إلى ما وراءه يفتح عيوننا على حقيقة أخرى تقول إن الصمت طالما كان وسيلة للمقاومة، أو الاحتجاج غير المعلن، ويبدو أحياناً أشبه بالتيارات التي تنساب في الأعماق بهدوء تحت الأمواج التي تتلاطم على السطح، أو أشبه بالسكون التام للريح أو حتى النسيم، الذي لا يعني أن الهواء غير قائم ولا يؤدي وظائفه المعتادة في حياتنا.

فمثل هذه الصورة المجازية تنطبق كثيراً على مجتمعاتنا، إذ إن حجم الذين يشتبكون مع السياسة، ونسمع صوت تطاحنهم، يُظهر أنهم قلة قياساً إلى عدد من لا يعيرونها أي اهتمام، أو أولئك الذين يقتربون منها على فترات متقطعة، أو يكادون يمسكون بها، على رغم أن كثيرين منهم يدركون أنها تمس كل شيء وكل أمر في حياتهم، كبر أم صغر.

وحتى هؤلاء إن تهامسوا بكلام في السياسة فإن أصواتهم قد تذهب سدًى، وتضيع في الفراغ الهائل بينهم وبين الجالسين على كراسي الحكم، وقد لا يتمكن ممثلوهم في المجالس النيابية والمنصتون إليهم في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء من إيصال صوتهم في كل وقت وحين. وربما ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في بعض المجتمعات من زاوية اعتبارها «تكنولوجيا التحرر» في انخراط كثيرين في أتون الجدل والنقاش السياسي، ولكن هذا لا يزيل الصمت بقدر ما يكرسه، فالجالس خلف حاسوبه، أو الناظر في شاشة هاتفه، لا نكاد نسمع سوى نبضات قلبه، ونقرات أصابعه على لوحة المفاتيح، وما يكتبه أو يقوله، لا يذهب بالضرورة إلى الفضاء العام، وقد لا يراه أو يسمعه أو يقرؤه أو يتفاعل معه سوى عدد يعد على أصابع اليد في إطار «الأسرة الافتراضية» و«الصحاب الافتراضيين».

ربما وفرت مواقع التواصل الاجتماعي فرصة للحكومات كي تعرف الطريقة والمضمون الذي تتحدث به الشعوب في السياسة، أكثر مما كانت توفره تقارير المخبرين والعسس واستطلاعات الرأي التي تجرى على عينات ضيقة، ولكن تظل هناك قطاعات عريضة من الجمهور، أو المحكومين، غير منخرطة على هذه المواقع، أو لا تستخدمها البتة في التعبير عن المسائل السياسية، بل يعتبر هؤلاء أن تسييسها هو انحراف بها عن الهدف الذي انطلقت من أجله وهو مقاومة الفردانية والاغتراب، وتعويض انحسار الألفة والتماسك الاجتماعي في بعض المجتمعات الغربية.

وهنا يثار تساؤل: كيف يمكن التعامل مع الصمت باعتباره موقفاً سياسياً، إن كنا لا نعرف أساساً أسبابه، أو ما إذا كان السكوت ذا مغزى سياسي من عدمه؟

في الحقيقة تمدنا تجارب بعض الشعوب بالكثير من الأسباب، وتساعدنا على تفسير مغزى الصمت ومراميه. وفي الغالب الأعم كان صمت الشعوب تعبيراً عن الرضا أو الترقب والأمل أو الضجر أو التأهب أو اليأس أو الهروب، أو للعقاب أو جراء الخوف أو الشك في جدوى الكلام. وكان صمت السلطة راجعاً إلى تفويت بعض المواقف، أو للترفع وكظم الغيظ، أو بسبب عدم امتلاك القدرة على الرد، علاوة على العجز أحياناً، أو التركيز في الأفعال دون الأقوال، أو للإيقاع بالخصم ودفعه إلى الخطأ، أو أخذ الوقت الكافي للتفكير في الانتقام!

ومع كل هذه الأسباب هناك ثلاثة أمور أساسية يجب أن توضع في الاعتبار، أولها أن كثيراً من المسائل والقضايا السياسية تدور في أذهاننا ونحن غارقون في صمت مطبق، أو شرود تام، ويتاح للبعض منا أن يعبر فيما بعد عما دار في رأسه، وهناك من لا يتاح لهم هذا، أو لا يرغبون فيه. وثانيها أن الشعوب لا يمكن أن تصاب بـ«السكتة السياسية» التي هي أشبه بـ«السكتة الدماغية» أو الغيبوبة العميقة. وأي حديث في هذا الاتجاه يكون محض مجاز، كأن يتحدث أحد عن موت الشعب أو موت الأمة! فالحد الأدنى من التعبير سواء بالكلمات أو الإشارة أو الإيماءة أو مختلف الرموز يكون موجوداً طيلة الوقت، سواء تم هذا عبر الهمس أو الصخب. أما السبب الثالث فهو أنه حتى في أعماق الصمت السياسي فإن الأفراد والجماعات تعيش في صدى ما وقع من كلام، في صورة استدعاء للماضي واجترار للذكريات، وخاصة بعد الأحدث الكبرى مثل الثورات والانتفاضات والهبّات والحروب، ويتخلل هذا الاجترار شعور بالزهو أو الراحة أو الندم، أو تحيُّن الفرصة للعودة إلى الصخب من جديد.

 

 

عن الانحاد الاماراتيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظاهرة الصمت السياسي ظاهرة الصمت السياسي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon