توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"وطن" لـ"عم خليل".. قصتان

  مصر اليوم -

وطن لـعم خليل قصتان

بقلم : عمار علي حسن


1 - «وطن»

فى باكورة الشباب، وذات صباح ندىّ، عاهدت الوطن أن أحرره من قيد الغاصبين، وأنفخ فى أوصاله من مخزون ولائى فيشتد عوده. تراءت أمامى وقتها صور لفلاحى الغيطان تحت لهيب الهجير. عمّال المصانع بين أحضان التروس. عيون المثقفين التى أكلها الورق وأجهدها الانتظار. الشبان المأخوذون من صحون المساجد، وفصول المدارس، إلى غياهب السجون. نساء البيوت الحبيسات فى جدران غشم الأزواج و.. و..

راح الشباب يتداعَى، وجاء خريف المشيب بانكساره وتهالكه، فلاح الموت فى الأفق.

ذات صباح كنت أسير فى الميدان الفسيح المطل على المقاهى، التى شهدت ساعات غضبنا.

نظرت هناك وهنا.. عشرون شُرطياً يقذفون أمامهم شاباً نحيلاً. الباعة الجائلون يهربون بعرباتهم الصغيرة وأقفاصهم إلى جوف الأزقة ويتنادون فزعاً من «البلدية». امرأة متشحة بالسواد والعفاف، تسأل الناس على قارعة الطريق. فلاح ملفوف فى جلباب ممزق يُسرع الخُطى باتجاه محطة القطار. أبراج تعانق الفضاء على أول الميدان وتجثو فى آخره على بنايات متداعية. تتلاقى جدرانها على أجساد أوجعها الكدح ونفوس مزقتها المفارقة..

لمحت عينى فتى يافعاً قادماً من الشارع الجانبى يُهرول نحو قلب الميدان. فى يديه كتاب، وشعره يُهفهف فى النسمات التى وهبتها السماء للناس.

كنت ذاهباً إلى الشارع الذى هلّ منه. التقينا عند أول نقطة فى جانب الميدان. رُحت أتابعه وهو يغوص فى الزحام مخلفاً وراءه جملته المخنوقة بالدمع:

«غداً سنُحررك يا وطن».

2 - «عم خليل»

كان يوماً عصيباً. جاءوا بعمى خليل فى دوار العمدة. وقف مصفر الوجه، يرتعش، العرق والدموع يمتزجان فى تجاعيد الوجه، فيلمع فى صهد الشمس. الناس ينظرون من ثقوب الأبواب والحيطان. نحن الصغار تسلقنا السور. صراخ زوجة عم خليل ينداح فى شوارع القرية. يرتد صداه فى أذن الرجل، يزداد الدمع جرياناً. يرفع قدميه الحافيتين من لهب التراب، ويدس وجهه فى كفيه.

بعد دقائق أتت عربة الشرطة «الجيب». نزل منها الضباط والعساكر. رآهم العمدة فأقبل مهرولاً نحوهم.

اتجه الجميع إلى عم خليل. تفحّصه كبير الضباط وسأله بغضب:

- أين البندقية يا خليل؟

- خطفوها الحرامية..

- حرامية يا روح أمك..

وطبع قساوته فوق وجهه. صفعة كادت تطرحه أرضاً..

عم خليل حبيبنا نحن الصغار. نصاحبه حتى السحر. هو الخفير الوحيد الذى يسهر ويطارد اللصوص. حين يجن الليل يُشعل أمامه أزاهير اللهب فى الشتاء. نجلس حوله نتسامر على نواصى الشوارع. لا يبخل علينا برشفات الشاى فى قعر كوبه الصاجى.

لم يُنجب، فكنا جميعاً أولاده. يربت أكتافنا ويحكى لنا عن «أبوزيد الهلالى» و«الزير سالم»، فتنبت بين جوانحنا البطولة، نقول له:

- لا تنَم مثل غيرك من الخفر؟

- الواحد لازم يحلل لقمة عيشه.

ها هو عم خليل يقف أمامنا شبه عارٍ. جرّده العسكر من ملابسه. ألصقوه بشجرة النبق المنتصبة فى وسط الدوار. أتوا بحبل من ليف النخيل وربطوه. رأينا التحدى يقفز فى عينى عم خليل، يصرخ فيهم:

- أنا كنت طوال الليالى أحاربهم، وانتم كل واحد فيكم نايم فى حضن مراته.

نهره الضابط:

- اخرس يا كلب..

- ما كلب إلا أنت وعساكرك..

ولمّا رأينا السياط تنهال عليه وهو جلد يقاوم تحفّزنا. حجورنا مليئة بالحجارة. أجسادنا متخندقة خلف السور. أيدينا أقواس تمطر سهام الحصى كالرصاص من كل جانب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وطن لـعم خليل قصتان وطن لـعم خليل قصتان



GMT 08:40 2017 الأحد ,02 إبريل / نيسان

"وطن" لـ"عم خليل".. قصتان

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon