توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن «جورج طرابيشى» (1 - 2)

  مصر اليوم -

عن «جورج طرابيشى» 1  2

بقلم عمار علي حسن

فى السادس عشر من مارس الماضى حط المفكر والناقد والمترجم الكبير جورج طرابيشى رحاله الأخير بعد سير طويل تنقل فيه بين اعتقادات وتصورات ومهن وأماكن وألوان شتى من المعرفة واهتمامات متعددة فى القراءة والتأمل والكتابة.

فقد مر «طرابيشى» على أيديولوجيات شتى بدأت بالقومية ثم الماركسية لينتهى فى الليبرالية، وتنقل بين أماكن عدة، حيث ولد فى حلب من أعمال سوريا عام 1939، ليرحل إلى لبنان، التى لم تلبث أن انفجرت فى حرب أهلية ضروس، فتركها واستقر به المقام فى فرنسا. ونهل «طرابيشى» من علوم مختلفة؛ حيث درس الفلسفة وعلم النفس واللغة العربية والتربية والأدب ومقارنة الأديان والتاريخ، وتتابعت فى حياته اهتمامات كثيرة، إذ بدأ ناقداً أدبياً، بلغت براعته فى هذا المسار أن كتب له نجيب محفوظ رداً على كتاب «طرابيشى» عنه: «بصراحة أعترف لك بصدق بصيرتك وقوة استدلالك، ولك أن تنشر عنى بأن تفسيرك للأعمال التى عرضتها هو أصدق التفاسير بالنسبة لمؤلفها». وفى ركاب النقد ترجم كتباً مهمة لفرويد وهيجل وسارتر وسيمون دى بوفوار وبرهييه وجارودى وغيرهم، ليستقر به المقام ناقداً عميقاً لمشروع المغربى محمد عابد الجابرى «نقد العقل العربى».

وطيلة هذه الرحلة تنقل أيضاً بين أطر تحليلية عدة، تتابعت من الفكر القومى إلى الثورى فالوجودية، ثم الماركسية وبعدها التحليل النفسى، ليستقر به المقام فى الإبستمولوجيا، وعلى التوازى زاوج «طرابيشى» بين الانشغال بعطاء التراث العربى الإسلامى فى الفقه وعلم الكلام والبلاغة والأدب والتفسير والتصوف والتاريخ وخصائص المجتمع، وبين الاهتمام بما أنتجه العقل الأوروبى الحديث والمعاصر فى النقد والفلسفة. أما عن المهن فقد عمل مديراً لإذاعة دمشق بين عامى 1963 و1964، ورئيساً لتحرير مجلة «دراسات عربية» بين 1972 و1984، ثم محرراً رئيسياً لمجلة «الوحدة» بين 1984 و1989، ليتفرغ بعدها للكتابة.

وحتى فى القراءة، انتقل «طرابيشى» بين مرحلتين؛ الأولى كان يقرأ فيها ليحكم على ما يقرأه، وهذا من فعل الناقد، والثانية كان يقرأ ليعرف أكثر، وهذا من تصرف العالم، وهنا يقول: «من قبل ما كنت أقرأ -والقراءة هوايتى الكبرى- إلا مع أو ضد.. ومن بعد صرت أقرأ بعيداً عن همّ المع أو الضد.. من قبل كنت أقرأ لأحكم ومن بعد صرت أقرأ لأعرف.. من قبل كنت أرد كل ما أقرأه إلى ما أعرفه.. ومن بعد صرت أنطلق مع كل ما أقرأه إلى ما لا أعرفه».

وفى كل هذه المراحل، فى القراءة والتأمل والكتابة، كان «طرابيشى» يؤمن بأن النقد فريضة واجبة، ففى نظره «العقل لا يكون عقلاً إلاّ إذا كان نقدياً»، وربما هذا هو الذى جعله دائم الترحال والانتقال بين الأفكار والأطر والتصورات والبلدان والكتب، فالنقد كان هو القيمة المركزية لدى «طرابيشى» لدرجة أن هناك من أراد أن يجرده، ظلماً وعدواناً، من وجود مشروع فكرى خاص به فوصفه بأنه «ناقد النقد» فحسب، وهذه قراءة مبتسرة ومتعجلة ومغرضة ومبتعدة عن التأنى والحكم العادل، المجرد عن الهوى، على منجز فكرى ثرى.

فـ«طرابيشى» فى ترحاله الدائم، وكراهيته الركون إلى أمر، والركود عند شىء، أنجز مؤلفات عميقة ومتنوعة مثل «سارتر والماركسية»، و«الماركسية والأيديولوجيا»، و«المثقّفون العرب والتراث: التحليل النفسى لعصاب جماعى» و«الماركسية والمسألة القومية»، و«مذبحة التراث فى الثقافة العربية المعاصرة»، و«مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام»، و«النزاع الصينى السوفيتى» و«الاستراتيجية الطبقية للثورة» و«النظرية القومية والدولة القطرية»، و«شرق وغرب، رجولة وأنوثة: دراسة فى أزمة الجنس والحضارة فى الرواية العربية»، و«عقدة أوديب فى الرواية العربية»، و«الرجولة وأيديولوجيا الرجولة فى الرواية العربية» و«الله فى رحلة نجيب محفوظ الرمزية» و«لعبة الحلم والواقع: دراسة فى أدب توفيق الحكيم»، و«الأدب من الداخل» و«رمزية المرأة فى الرواية العربية» و«أنثى ضد الأنوثة: دراسة فى أدب نوال السعداوى» و«معجم الفلاسفة» و«من النهضة إلى الردة» و«هرطقات» فى جزءين؛ الأوّل عن «الديمقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية»، والثانى عن «العلمانية كإشكالية إسلامية إسلامية»، ثم كتاب «المعجزة أو سبات العقل فى الإسلام»، وأخيراً خمسة مجلدات فى الرد على «الجابرى» تحت عنوان «نقد نقد العقل العربى»، كان آخرها «من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث».

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «جورج طرابيشى» 1  2 عن «جورج طرابيشى» 1  2



GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon