توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن «جورج طرابيشى» (2 - 2)

  مصر اليوم -

عن «جورج طرابيشى» 2  2

بقلم عمار علي حسن

كان أهم سؤال طرحه «طرابيشى»: «هل العقل العربى الإسلامى قد استقال بفعل عيب ذاتى أم بتأثير خارجى؟»، وكانت إجابته الناصعة هى أن «الآليات التى أدت إلى استقالة العقل وغروبه فى الحضارة هى آليات داخلية نابعة من انكفاء ذاتى ومن انكماش لهذا العقل على نفسه وليس من غزوة خارجية». وهو فى هذا يرد على مسار استغلظ فى تاريخنا الفكرى، يرتكن إلى أن كل ما جرى لنا هو بفعل تآمر الآخر علينا، وهو تصور ازداد غلظة واستحكاماً مع اندلاع الاحتجاجات والانتفاضات والثورات فى بعض البلدان العربية، إذ لم تلتفت السلطة ومثقفوها وإعلامها إلى الحقيقة، بل راحت تعمى عليها لتعزو ما جرى إلى خطط وضعت وراء البحار لتفكيك بلادنا، وليس إلى توحش الفساد، وتجذر الاستبداد، وغياب أى أمل فى الإصلاح السياسى والاجتماعى.

لهذا كان من الطبيعى أن يرى «طرابيشى» أن «كل حديث عن الإصلاح السياسى، مع الإبقاء على المنظومة المعرفية القديمة والمفاهيم التقليدية، إنما هو نقش على ماء»، ففى هذه المنظومة نفسها يسكن المرض، ولا سبيل إلى الشفاء إلا بتفكيكها، والتخلص من أى حمولات ثقيلة بها، تشد إلى الوراء، وطالما نحن نجيب عن أسئلة حاضرنا بمقولات من القرون الغابرة، كانت فى أساسها إجابة عن أسئلة طرحها من عاشوا فى زمان بعيد، فلن نتقدم إلى الأمام، وهذا هو بيت الداء الذى يضع «طرابيشى» يده عليه فيقول: «ثقافتنا هى انغلاق على مفاهيم من عصور سابقة كانت فعالة آنذاك، لكنها اليوم بلا أدنى فعالية، نحن نريد أن نجيب عن أسئلة الأبناء بأجوبة الأجداد».

ويرفض «طرابيشى» أن تقام ديمقراطية شكلية، كما أنه لا يستلب حيال الديمقراطية السياسية باعتبارها الخلاص، ففى الوقت الذى يرى أن «كبرى مشكلات العالم العربى أننا اختصرنا الديمقراطية إلى أحد مظاهرها، وهو صندوق الاقتراع» يطالب بإطلاق الحريات فى الفكر والدين والقيم الاجتماعية، باعتبار هذا هو الأساس الذى تنبنى عليه الديمقراطية السياسية إن كانت هناك إرادة حقيقية فى إقامتها على نحو سليم، وهنا يقول: «مجتمع يريد الديمقراطية فى السياسة ولا يريدها فى الفكر ولا على الأخص فى الدين، هو مجتمع يستسهل الديمقراطية ويختزلها فى آن معاً».

لقد أخلص «طرابيشى» للانفتاح على الحداثة، دون أن ينحى التراث جانباً، إنما طالب بمساءلته دوماً، ونقده طيلة الوقت، عبر استنطاقه بأجوبة جديدة على أسئلة مغايرة لتلك التى طرحها الأقدمون، وصياغته فى إشكاليات معاصرة، تمس ما نعيشه ونكابده من مشكلات، وهذا لن يتم إلا بالاستمرار فى النقد.

وهاجم «طرابيشى» المثقفين العرب ورآهم عصابيين ونكوصيين ومرتدين عن النهضة، وحملهم جزءاً من مسئولية ركود الزمن العربى ليصبح كالقدر المستعصى على التحكم به، وبذا ظل هو، كمثقف مغاير، معنياً طيلة الوقت ببناء حصن إبستمولوجى داخل العقل العربى الإسلامى، ليزيد من مكنته على التفاعل الخلاق مع العالم المعاصر الذى يعلى من قيمة وقامة العقل والأنسنة والتسامح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «جورج طرابيشى» 2  2 عن «جورج طرابيشى» 2  2



GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon