توقيت القاهرة المحلي 13:58:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصمت السياسى حين يكون أبلغ من الكلام

  مصر اليوم -

الصمت السياسى حين يكون أبلغ من الكلام

بقلم - عمار علي حسن

إذا كان هناك من يعتقد فى ضرورة التعبير عن الفكر والممارسة السياسية لفظا، ويبرر الصياح والجدل العارم فى هذا، فإن الصمت فى السياسة من أجل التفكير قبل اتخاذ القرار، ووضع الخطط والبرامج، وتدبر الحاكم حال المحكومين، ضرورى أيضا. ويظن كثيرون أن الصمت فى أغلبه هروبٌ واستكانة، ومن ثَم فإن حظ المقاومة فيه ضعيف إن لم يكن منعدما. فالمعنى الذى يأتى إلى الأذهان من الوهلة الأولى حين تسمع كلمة «مقاومة» أو «نضال» ينصرف دوما إلى أمر مرتبط بالحركة أو الفعل، الذى يتم توزيعه إلى العنف بشتى درجاته، أو إلى اللاعنف الإيجابى الذى يعتمد على وسائل عدة من الضغط والاحتجاج المدنى.

لكنّ هذه نظرة أحادية الجانب، فالصمت إن كان آفة الشعوب المغلوبة فقد يكون حِكمتها فى الوقت نفسه، حتى تملى للظالم ثم تأخذه بعد أن يكون قد تردى فى الفساد والاستبداد، بل يمكن تحويل الصمت من طاقة سلبية تنطوى على الاستسلام أو الاستلاب أو الترقب أو اللامبالاة إلى فعل مقاوم، قد لا يقلّ فى بعض الحالات عن النضال المسلح أو الاحتجاج المدنى القوى. وهناك حالتان أساسيتان كان فيهما الصمت مقاومة جلية بكل المقاييس. الأولى ترتبط بصمت المحكومين عن التجاوب مع نداء السلطة المستبدة لهم، حين تسعى إلى حشد الجمهور حول خطابها وبرامجها، ولاسيما فى اللحظات الحرجة التى تجد فيها هذه السلطة نفسها مضطرة إلى استدعاء الناس بعد طول تغييب وتذكرهم بعد طول نسيان، وذلك وقت أن تكون مهددة بالانهيار أو الرحيل، أو تكون معرضة لضغوط قوية تجعلها تتآكل، وتشعر أن وضعها قد بات فى مهب الريح.

وتتوقع السلطة فى هذه الحال أن الناس ستستجيب لها طواعية، إما خوفا أو طمعا، وقد تدفع التابعين لها للنزول إلى الشارع لتحفيز الجماهير الغفيرة على الخروج من الصمت والترقب، والانخراط فى مساندة النظام الحاكم. فإذا ردّ الناس بالصمت، وأداروا ظهورهم للسلطة، وأشعروها بأنها باتت مجردة من أى شرعية، وأن الشعب يرفضها كلية، فإن سلوكهم هذا ينصرف إلى المقاومة، ولاسيما إن حدث شعور جمعى بهذا الموقف، ووصلت فحوى الرسالة إلى السلطة وأتباعها. وتزداد فاعلية هذا الموقف إن كانت السلطة مُقدِمَة على خطوة تحتاج فيها إلى موافقة الناس عليها، ولاسيما أوقات الاستفتاءات على شخص الحاكم أو لحظة تمرير قوانين وخطط وبرامج معينة، أو وقت يشعر فيه من بيدهم الأمر أن هناك حالاً من الرفض المكتوم لسياساتهم، أو حتى وجودهم على قيد الحكم. ففى مثل هذه الظروف تلهث السلطة وراء النداء على الناس، فإن أبَوا واستعصموا بالصمت، فإنها تنزعج انزعاجا شديدا، وتعاود النداء عبر آلتها الدعائية، فإن جاء الرد على حاله الأولى، فلا تجد السلطة بُداً من تقديم تنازلات متدرجة، تصب فى نهاية المطاف فى مصلحة الشعب، فإن استهان الناس بهذه التنازلات ولفظوها فقد لا يكون أمام هذه السلطة من طريق سوى الاستعداد للرحيل، أو أن تفقد أعصابها وتنزلق إلى ممارسة عنف مفرط ضد الشعب، فتدفعه إلى مقاومتها بغير الصمت، ومن ثم تدق المسمار الأخير فى نعشها، ولاسيما إن ظهر بديل فى اللحظة المناسبة لم يقابله الناس بصمت، إنما التفوا حوله وباركوه وبُحّت أصواتهم فى مساندته.

أما الثانية فقد سطرها مناضلون سياسيون عبر تاريخ الإنسانية المديد، حين التحفوا بالصمت وقت أن كان أعداؤهم يطلبون منهم التحدث. وقد حفل أدب السجون وحوت مذكرات السجناء من مختلف الانتماءات السياسية العديد من القصص التى تبين كيف تحمّل بعض المعتقلين التعذيب الجسدى الوحشى فى سبيل حماية أسرار التنظيم السياسى الذى يتبعونه، وستر ظهر رفاقهم وإخوانهم الذين يشاركونهم الكفاح. وقد اعترف السجانون والجلادون أنفسهم بقدرة هؤلاء المحبوسين والمعتقلين والسجناء على تحمل أشد صنوف التعذيب، وتضحية البعض منهم بأنفسهم فى سبيل حماية الآخرين، فى ظل حرصهم على استمرار راية النضال مرفوعة، وفى ظل كراهيتهم العميقة للمستبدين وجنودهم، وهى الكراهية التى تمد المعذبين بقدرة فائقة على تحمل الآلام بصمت.

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصمت السياسى حين يكون أبلغ من الكلام الصمت السياسى حين يكون أبلغ من الكلام



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أيقونة الموضة سميرة سعيد تتحدى الزمن بأسلوب شبابي معاصر

الرباط ـ مصر اليوم

GMT 08:41 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
  مصر اليوم - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 08:54 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أبرز العيوب والمميزات لشراء الأثاث المستعمل
  مصر اليوم - أبرز العيوب والمميزات لشراء الأثاث المستعمل

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 22:40 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

وفاة مهندس في حادث تصادم بعد حفل خطوبته بساعات

GMT 13:19 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

تعليق البرازيلي نيمار يثير غضب عشاق الأرجنتيني ليونيل ميسي

GMT 02:36 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

صبغات لتغطية الشعر الشايب وإبراز جمال لون البشرة

GMT 14:16 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

"فيرير" فيدر أفضل لاعب تنس في تاريخ اللعُبة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon