توقيت القاهرة المحلي 23:33:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«أيام الفيس بوك».. وشىء عن نزيف العقول

  مصر اليوم -

«أيام الفيس بوك» وشىء عن نزيف العقول

بقلم - عمار علي حسن

(1)

ما بين 22 أكتوبر 2010 حتى 25 ديسمبر 2011، مساحة زمنية كَمْ مرَّ مثلها فى حياتنا مرورًا عابرًا، حيث تشابهت الأيام، وطَمسَ بعضُها بعضا، فهاجرت من الذاكرة وحلت فى ظلمة التجاهل والغياب. إنها أربعة عشر شهرًا وثلاثة أيام، لا تشكل فى عمر بلادنا المديد غمضة عين وانتباهتها، لكنها مثّلت فى حياة جيلنا تجربة حافلة زاخرة بالمعانى والقيم والعبر، جعلتنا نعتقد ونحن نرقص فى أحضان حلم مجنح أن الظلام قد حمل عصاه ورحل، والفقر سيكون حكايات نرويها لأحفادنا وهم يرفلون فى عيش رغيد، لنكتشف بعد كل هذا أن علينا أن نحمل صخرتنا ونصعد الجبل من جديد. وعند الروائى سعد القرش كانت هذه المدة القصيرة الكبيرة فرصة ذهبية ليبرهن لنا على أن «الفيس بوك» قد صار ديوان الحياة المعاصرة بامتياز، بل صار جزءا من حياتنا ذاتها.

فبعد خمس روايات ومجموعتين قصصيتين وكتاب فى أدب الرحلات وآخر فى تاريخ ثورة يناير يتحفنا «سعد»، المتسق دومًا مع ما يقول وما يكتب وما يفعل، بكتاب وسمه بـ«أيام الفيس بوك.. مسائل واقعية فى عالم افتراضى» صدر عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، يسرد علينا فيه كل ما نقرته أنامله على موقع التواصل الاجتماعى هذا، فى أيامٍ هزتها ريح صرصر عاتية، فأيقظتنا بعد سبات، لنهتف ونصرخ ونقول ونفعل ونفتح صدورنا للموت غير هيابين، ونفتح عقولنا كى ترتب حروفا وأصواتا نفهم منها بعض ما جرى وما سيجرى.

فى مقدمته البديعة التى كتبها بأسلوب شاعرى فياض، يقول «القرش» ممهدًا لنا الدخول إلى تعاريج كتابه واستقاماته: «فى الكتابة، نختفى وراء أقنعة أكثر صدقًا من الحياة، أقنعة الفن، ولكن الفيس بوك سجل لا يكذب، هو ملامحك وبصمة روحك، كتابك الذى ينطق عليك بالحق، ويؤرخ مواقفك بصرامة يستحيل معها التزوير. أنت فى الفيس بوك حاصل جميع آرائك وتعليقاتك وأصدقائك وأعدائك وتفاعلاتك، أنت صفحتك».

إنه الهدف الذى أراد المؤلف أن يحدده منذ اللحظة الأولى، وهو أن يضرب مثلًا فى تسجيل المواقف والآراء التى تدفقت بلا هوادة، محاولة أن تلحق الأحداث والوقائع الجارية وربما تسبقها أحيانا، تبشيرا ونبوءة، لكنه لم يكن أنانيا أبدا، فيكتفى بما كتبه هو، مقدما شهادة على انخراطه فى الثورة عبر العالمين الواقعى والافتراضى، بل فتح الباب لآخرين، شاطروه الأفراح والأتراح، من أصدقائه الذين كانوا مثله أو بعضه، مدفوعين بطاقة جبارة إلى أن يسكبوا أرواحهم على الخيوط غير المرئية للشبكة العنكبوتية، ليتشاركوا فى نسج ثياب جديد لمصر.

أى نوع من الكتابة تلك؟.. لا يتركنا المؤلف نعانى فى البحث عن إجابة، بل يقول من دون مواربة: «فى صفحاتنا على الفيس بوك نمارس تلقائية من تحلو له الدندنة فى الحمام أو الغناء غير المنضبط بين الأصدقاء، غناء غير صارم، لم تسبقه بروفات، وتتداخل فيه المقامات، ويتفاعل معه حاضرون من كل مكان.. فى صفحاتنا تلك نكون صبية يلعبون الكرة فى أزقة وحارات أو ممرات بين البنايات، وهو لعب يسبق ضبط المهارات، ولا يُعنى بإحراز أهداف أو جذب انتباه. هى كتابة حميمة وعارية، ولكنها أكثر صدقًا، هى باختصار ما قبل الكتابة هى كتابة وحياة». ولم ينسَ «القرش» أن يمارس دوره الدائم فى فضح بعض من تراخوا وتراجعوا وخانوا وخاروا وباعوا، ولم يترك الفرصة كى يبوح لنا بأوجاعه مما يجرى، وخوفه مما هو آت، لكنه يفتح النهايات بطريقة درامية تليق به كأديب راسخ، حين يقتطف من مشاركة صديقه عيد صالح عبارة دالة يقول فيها تعليقًا على العلاقة بين العسكر والإخوان: «يا صديقى الحميم، الأفق مفتوح على كل الاحتمالات المخيفة والمؤدية إلى الجحيم»، فيرد عليه هو فى ثقة بالغة: «ولكنى متفائل».

(2)

قبل ست سنوات، كتبت محذرًا من صناعة مناخ طارد للاستثمار، وقلت: حرية الصحافة، واستقلال القضاء، ووجود العمل النقابى، ومكافحة الفساد، والليونة البيروقراطية المنضبطة، وإقرار حوافز جاذبة للعمل.. ليست ترفًا إنما ضرورة، ومن دونها سيهرب مال الداخل ولن يأتى مال الخارج إلا لشراء أصول الدولة.

(3)

ليس صحيحًا أن العارفين يكتفون بالنقد والنقض، فعلماء مصر ومثقفوها قدموا آلاف الاقتراحات، ويشهد على هذا «بنك الأفكار» الذى أقيم بعد الثورة.

وفى الأبحاث والرسائل الجامعية وتقارير ودراسات مراكز الأبحاث والمجالس القومية المتخصصة وما انتهت إليه مؤتمرات وندوات حلولٌ كثيرة، لكن يوجد فى مصر فصام غالبًا بين القرار والعلم.

(4)

ظل معهد جوته بميدان المساحة مهملًا ومظلمًا أغلب الأوقات.. لكنه توسع وضم مبانى جديدة وتحول لشعلة نشاط يغمرها ضوء ليل نهار، لأن آلاف الشباب من المهندسين والمبرمجين وعلماء صغار السن فى التخصصات كافة يقبلون لتعلم الألمانية ابتغاء الهجرة. أمام السفارات طوابير لا تنتهى. مصر تنزف فى صمت، ولابد من وقف نزيفها، وهذا ليس بمستحيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أيام الفيس بوك» وشىء عن نزيف العقول «أيام الفيس بوك» وشىء عن نزيف العقول



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon