توقيت القاهرة المحلي 02:01:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«أيام الفيس بوك».. وشىء عن نزيف العقول

  مصر اليوم -

«أيام الفيس بوك» وشىء عن نزيف العقول

بقلم - عمار علي حسن

(1)

ما بين 22 أكتوبر 2010 حتى 25 ديسمبر 2011، مساحة زمنية كَمْ مرَّ مثلها فى حياتنا مرورًا عابرًا، حيث تشابهت الأيام، وطَمسَ بعضُها بعضا، فهاجرت من الذاكرة وحلت فى ظلمة التجاهل والغياب. إنها أربعة عشر شهرًا وثلاثة أيام، لا تشكل فى عمر بلادنا المديد غمضة عين وانتباهتها، لكنها مثّلت فى حياة جيلنا تجربة حافلة زاخرة بالمعانى والقيم والعبر، جعلتنا نعتقد ونحن نرقص فى أحضان حلم مجنح أن الظلام قد حمل عصاه ورحل، والفقر سيكون حكايات نرويها لأحفادنا وهم يرفلون فى عيش رغيد، لنكتشف بعد كل هذا أن علينا أن نحمل صخرتنا ونصعد الجبل من جديد. وعند الروائى سعد القرش كانت هذه المدة القصيرة الكبيرة فرصة ذهبية ليبرهن لنا على أن «الفيس بوك» قد صار ديوان الحياة المعاصرة بامتياز، بل صار جزءا من حياتنا ذاتها.

فبعد خمس روايات ومجموعتين قصصيتين وكتاب فى أدب الرحلات وآخر فى تاريخ ثورة يناير يتحفنا «سعد»، المتسق دومًا مع ما يقول وما يكتب وما يفعل، بكتاب وسمه بـ«أيام الفيس بوك.. مسائل واقعية فى عالم افتراضى» صدر عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، يسرد علينا فيه كل ما نقرته أنامله على موقع التواصل الاجتماعى هذا، فى أيامٍ هزتها ريح صرصر عاتية، فأيقظتنا بعد سبات، لنهتف ونصرخ ونقول ونفعل ونفتح صدورنا للموت غير هيابين، ونفتح عقولنا كى ترتب حروفا وأصواتا نفهم منها بعض ما جرى وما سيجرى.

فى مقدمته البديعة التى كتبها بأسلوب شاعرى فياض، يقول «القرش» ممهدًا لنا الدخول إلى تعاريج كتابه واستقاماته: «فى الكتابة، نختفى وراء أقنعة أكثر صدقًا من الحياة، أقنعة الفن، ولكن الفيس بوك سجل لا يكذب، هو ملامحك وبصمة روحك، كتابك الذى ينطق عليك بالحق، ويؤرخ مواقفك بصرامة يستحيل معها التزوير. أنت فى الفيس بوك حاصل جميع آرائك وتعليقاتك وأصدقائك وأعدائك وتفاعلاتك، أنت صفحتك».

إنه الهدف الذى أراد المؤلف أن يحدده منذ اللحظة الأولى، وهو أن يضرب مثلًا فى تسجيل المواقف والآراء التى تدفقت بلا هوادة، محاولة أن تلحق الأحداث والوقائع الجارية وربما تسبقها أحيانا، تبشيرا ونبوءة، لكنه لم يكن أنانيا أبدا، فيكتفى بما كتبه هو، مقدما شهادة على انخراطه فى الثورة عبر العالمين الواقعى والافتراضى، بل فتح الباب لآخرين، شاطروه الأفراح والأتراح، من أصدقائه الذين كانوا مثله أو بعضه، مدفوعين بطاقة جبارة إلى أن يسكبوا أرواحهم على الخيوط غير المرئية للشبكة العنكبوتية، ليتشاركوا فى نسج ثياب جديد لمصر.

أى نوع من الكتابة تلك؟.. لا يتركنا المؤلف نعانى فى البحث عن إجابة، بل يقول من دون مواربة: «فى صفحاتنا على الفيس بوك نمارس تلقائية من تحلو له الدندنة فى الحمام أو الغناء غير المنضبط بين الأصدقاء، غناء غير صارم، لم تسبقه بروفات، وتتداخل فيه المقامات، ويتفاعل معه حاضرون من كل مكان.. فى صفحاتنا تلك نكون صبية يلعبون الكرة فى أزقة وحارات أو ممرات بين البنايات، وهو لعب يسبق ضبط المهارات، ولا يُعنى بإحراز أهداف أو جذب انتباه. هى كتابة حميمة وعارية، ولكنها أكثر صدقًا، هى باختصار ما قبل الكتابة هى كتابة وحياة». ولم ينسَ «القرش» أن يمارس دوره الدائم فى فضح بعض من تراخوا وتراجعوا وخانوا وخاروا وباعوا، ولم يترك الفرصة كى يبوح لنا بأوجاعه مما يجرى، وخوفه مما هو آت، لكنه يفتح النهايات بطريقة درامية تليق به كأديب راسخ، حين يقتطف من مشاركة صديقه عيد صالح عبارة دالة يقول فيها تعليقًا على العلاقة بين العسكر والإخوان: «يا صديقى الحميم، الأفق مفتوح على كل الاحتمالات المخيفة والمؤدية إلى الجحيم»، فيرد عليه هو فى ثقة بالغة: «ولكنى متفائل».

(2)

قبل ست سنوات، كتبت محذرًا من صناعة مناخ طارد للاستثمار، وقلت: حرية الصحافة، واستقلال القضاء، ووجود العمل النقابى، ومكافحة الفساد، والليونة البيروقراطية المنضبطة، وإقرار حوافز جاذبة للعمل.. ليست ترفًا إنما ضرورة، ومن دونها سيهرب مال الداخل ولن يأتى مال الخارج إلا لشراء أصول الدولة.

(3)

ليس صحيحًا أن العارفين يكتفون بالنقد والنقض، فعلماء مصر ومثقفوها قدموا آلاف الاقتراحات، ويشهد على هذا «بنك الأفكار» الذى أقيم بعد الثورة.

وفى الأبحاث والرسائل الجامعية وتقارير ودراسات مراكز الأبحاث والمجالس القومية المتخصصة وما انتهت إليه مؤتمرات وندوات حلولٌ كثيرة، لكن يوجد فى مصر فصام غالبًا بين القرار والعلم.

(4)

ظل معهد جوته بميدان المساحة مهملًا ومظلمًا أغلب الأوقات.. لكنه توسع وضم مبانى جديدة وتحول لشعلة نشاط يغمرها ضوء ليل نهار، لأن آلاف الشباب من المهندسين والمبرمجين وعلماء صغار السن فى التخصصات كافة يقبلون لتعلم الألمانية ابتغاء الهجرة. أمام السفارات طوابير لا تنتهى. مصر تنزف فى صمت، ولابد من وقف نزيفها، وهذا ليس بمستحيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أيام الفيس بوك» وشىء عن نزيف العقول «أيام الفيس بوك» وشىء عن نزيف العقول



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:05 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

نجوى فؤاد تكشف حقيقة اعتزالها الفن
  مصر اليوم - نجوى فؤاد تكشف حقيقة اعتزالها الفن

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 22:40 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

وفاة مهندس في حادث تصادم بعد حفل خطوبته بساعات

GMT 13:19 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

تعليق البرازيلي نيمار يثير غضب عشاق الأرجنتيني ليونيل ميسي

GMT 02:36 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

صبغات لتغطية الشعر الشايب وإبراز جمال لون البشرة

GMT 14:16 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

"فيرير" فيدر أفضل لاعب تنس في تاريخ اللعُبة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon