عمار علي حسن
وفى ثلاثينات القرن التاسع عشر، راح محمد على يزيد من نفوذه فى جزيرة العرب، متشجعاً بالانتصارات التى حققها فى الشام، رامياً إلى تكوين دولة عربية موحدة أو «إمبراطورية صغيرة». وتغلبت القوات المصرية على الثورات المحدودة وحركات التمرد الواسعة ضد الحكم المصرى، ومنها الفتنة العسكرية التى وقعت فى جدة فى عام 1832، وثورة أمير نجد فيصل بن تركى. وتقدمت القوات المصرية إلى البحرين، لكنها لم تدخلها حتى لا تُستدرَج إلى معركة مباشرة مع البريطانيين، وبنت خطتها على عدم تمكينهم من الاستقرار فى تلك البقعة الخليجية. وامتد النفوذ المصرى إلى ساحل عُمان. وعيّن خورشيد باشا قائد القوات المصرية فى الحجاز سعيد بن مطلق حاكماً على الساحل، فرحب به القواسم فى الشارقة ورأس الخيمة. علاوة على ذلك، فكر محمد على فى الزحف إلى الشمال الشرقى للاستيلاء على مصب دجلة والفرات.
لكن الإنجليز كانوا لمحمد على بالمرصاد، فاستولوا على عدن فى عام 1839، ليحولوا دون تفكيره فى الزحف جنوباً للاستيلاء على هذا المرفأ المهم. ثم ألّبوا عليه أوروبا، فحشدت قواتها ضده، وتمكنت من هزيمته فى معركة نزيب فى عام 1839، ليضعوا حداً لطموحه، بعد إبرام معاهدة لندن فى عام 1840، التى أصدر بمقتضاها أوامر لقائده خورشيد باشا بالتوجه إلى مصر، فخرج من جزيرة العرب، تاركاً وراءه بعض جند الاحتياط تحت إشراف الأمير خالد بن سعود أمير نجد.
وبانسحاب الجنود من الإحساء ونجد فى عام 1256 هـ/ 1840، انتهى الحكم المصرى فى جزيرة العرب، لتصبح نهباً لصراعات دولية، لم تنتهِ إلى الآن.
أما العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر ودول الخليج، فتضرب هى الأخرى جذوراً عميقة فى التاريخ، فحرص مصر على الاستيلاء على الحجاز نبع من أن الحجاز كانت محطة تجارية على البحر الأحمر، درّت على مصر أرباحاً طائلة، ولذا سعت مصر دوماً إلى عدم تمكين أى طرف خارجى أو قوة معادية من السيطرة عليها، لأن هذا كان يعنى إضعاف مركز مصر الاقتصادى.
ومع أن العلاقات التجارية بين مصر والحجاز قديمة، فإن النصف الثانى من القرن السابع عشر ومطلع القرن الثامن عشر شهد نمواً غير مسبوق فى الحركة التجارية المتبادلة بين موانئ مصر (السويس - القصير) وموانئ الحجاز (جدة - ينبع - المويلح)، نظراً لعوامل عدة، منها بروز أهمية كبيرة للبن اليمنى فى التجارة الدولية، وتحول مدينة سورات الهندية إلى مدينة تجارية نشطة، واتخاذ الإنجليز للبحر الأحمر معبراً للتجارة واسعة النطاق بعد أن سمحت لهم السلطات العثمانية بذلك، ثم الدور الكبير الذى لعبته الدولة العثمانية فى تأمين النقل البحرى فى البحر الأحمر، علاوة على إنشائها العديد من السفن لنقل غلال الحرمين.
وكانت الصادرات المرسلة من الحجاز إلى مصر فى تلك الآونة هى البن والأقمشة القطنية الهندية والبخور والخزف الصينى والتوابل والمر والصبر والصمغ وسم الحوت، وهى سلع كان أغلبها يأتى إلى الحجاز من الهند واليمن. فى المقابل، كانت مصر تصدّر إلى الحجاز السلع الغذائية من القمح والفول والأرز والعدس والحمص والزبد والجبن والعسل والسكر إلى جانب الأقمشة والورق وبعض المصنوعات مثل مرايا الزجاج وإبر الخياطة والخرز والسكاكين وبعض الأدوات الحديدية والأسلحة.