توقيت القاهرة المحلي 05:04:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الداء والدواء.. وصف الحالة الصحية في مصر

  مصر اليوم -

الداء والدواء وصف الحالة الصحية في مصر

بقلم - عمار علي حسن

هناك عبارة ترددها ألسنة المصريين كثيرًا، ولاسيما فى الوقت الراهن، تقول: «أنا لا أخاف الموت، بل أخاف المرض». طبيعى أن يخشى أى إنسان الألم والعجز، ويُضنيه العبء الثقيل الذى يُزيحه على كاهل كل مَن حوله. أما إذا كان المرض مزمنًا، فالمرء يخشى قضاء بقية عمره فى معاناة قاسية، خاصة مع القلق العارم المصاحب لانتظار النهاية المحتومة.

تلك حالة عامة بين البشر أجمعين، لكنها تزداد سوءًا لدى المصريين بفعل سبعة أسباب لافتة، يمكن تبيانها على النحو التالى:

١ـ عدم القدرة على الالتزام بقاعدة «غذاؤك دواؤك» لضيق ذات يد أغلبية السكان، بما يحرمهم من الحصول على الأطعمة التى تعزز قوة الجسم ومناعته، وتلبى احتياجاته الطبيعية إلى مختلف العناصر اللازمة لبنيانه ولياقته، بما لا يجعله فريسة سهلة للمرض.

فى الوقت نفسه فإن فرص أغلب المصريين ضعيفة فى الحفاظ على لياقة أبدانهم، فنسبة بسيطة من المواطنين مشتركة فى أندية رياضية، وأقل منها يذهب إلى صالات التريض وتقوية الأبدان. أما الأغلبية فمحرومة حتى من وجود مكان ممتد ممهد للتريض، مشيًا أو بركوب الدراجات. ويتفاقم الأمر مع هجوم التلوث المركب للماء والهواء والتربة على صحة الناس.

٢ـ تراجع إمكانية إنفاق الفرد على العلاج حال حدوث المرض، فى ظل تدنى نفقات الدولة على الصحة، وغياب نظام التأمين الصحى الشامل فى الواقع، حتى إن تم ذكره نظريًّا فى قوانين وخطط صحية حكومية، ولاسيما مع انتقاله فى طوره الجديد من مراعاة البعد الاجتماعى إلى النزوع التجارى البحت، حيث يتعزز الربح على حساب السلامة.

٣ـ الخوف من الوقوع فى أيدى أطباء عديمى الكفاءة أو مغالين فى أجورهم، أو يُضخمون المرض لابتزاز المريض واقتناص أى مال منه، أو للنقص المستمر فى عدد الأطباء قياسًا إلى تزايد حجم السكان. وتنصب بعض المستشفيات الخاصة فخاخًا للمرضى لتُطيل أمد بقائهم تحت الملاحظة والعلاج مادام هذا يدر عليها عائدًا طائلًا. وهناك أطباء متعاقدون مع معامل تحاليل أو صيدليات، فيبالغون فى طلب الفحوصات، ووصف الأدوية، أو يكتفون بصرف دواء يعرفون بوجوده أو تكدسه فى هذه الصيدليات، حتى لو لم يكن هو العلاج الأفضل لمرضاهم. وفى جراحات التجميل حدث ولا حرج. ويمكن للناس أن يقعوا أيضًا ضحايا فى أيدى مَن يدفعونهم إلى ما يسمى «الطب البديل» أو «الطب الأخضر»، الذى غلب فيه الأدعياء الأولياء.

٤ـ المعاناة الشديدة التى يواجهها الفقراء فى المستشفيات الحكومية وبعض المستوصفات، فهناك زحام شديد فى ظل قلة غرف الفحص، وعدم وجود عدد كافٍ من الأطباء، ويقود هذا بالطبع إلى استسهال الفحص أو التسرع فيه، ما يعنى تأخر الحصول على العلاج الناجع. وهناك معاناة أشد لمَن يتقدمون للعلاج على نفقة الدولة، ففضلًا عن أن المبالغ المخصصة لهذا قليلة قياسًا إلى المطلوب، فإن تحصيلها الخدمة يتأخر جراء أن الفرصة المتاحة لها لا تناسب عدد المتقدمين إليها.

ولعل الناظر إلى أماكن الانتظار أمام العيادات، أو فى مكان الاستقبال، يكتشف كيف يتعرض كثيرون لأشكال من الإهانة والتسويف والنبذ. فيما يتعرض المجبورون على دخول أقسام الطوارئ إلى سوء معاملة، وبعضهم ترفض المستشفيات استقباله، حتى لو كانت حالته خطرة، إلا بعد إيداع مبالغ محددة فى خزينة المستشفى، بعضها لا يكون متوفرًا فى التو والحال لدى أهل المريض أو المصاب.

٥ـ اتساع الهوة فى «الطاقة الصحية» بين منطقة وأخرى، إما بسبب التفاوت فى كفاءة الأطباء، أو فى الإمكانات اللوجستية للمستشفيات، ما يجبر كثيرًا من المواطنين على السفر الطويل إلى المراكز الطبية المتميزة نسبيًّا لتلقى العلاج، مثل القاهرة وأسيوط والمنصورة والإسكندرية، وفى هذا إرهاق جسدى ونفسى، وعبء مادى للمريض وأهله.

٦ـ ضعف الرقابة على المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة لضمان جودتها أولًا، ثم ضمان أن تكون أسعارها فى متناول أغلب المواطنين، أى لا تُغالى فى تحقيق أرباح طائلة على حساب صحة الناس، وبما لا يتناسب مع متوسط الدخول فى مصر.

٧ـ حالة الفوضى التى تسود سوق الدواء، ثم تراجع فرصة الحصول عليه، إن توفر ثمن شرائه، جراء ضعف الاستيراد فى الفترة الأخيرة بسبب نقص العملة الصعبة، وهى مسألة يضج مصريون بالشكوى منها، ولاسيما أصحاب الأمراض المزمنة.

إنه الواقع الأليم الذى لا تترجمه النصوص التى تحكم الرعاية الصحية فى مصر، فدستور ٢٠١٤ وتعديلاته عام ٢٠١٩ فى مادته رقم (١٨) ينص على أن «لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن ٣٪ من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيًّا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين فى اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقًا لمعدلات دخولهم. ويحرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين فى القطاع الصحى، وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلى فى خدمات الرعاية الصحية وفقًا للقانون».

(نُكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الداء والدواء وصف الحالة الصحية في مصر الداء والدواء وصف الحالة الصحية في مصر



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon