المعارضة السياسية المدنية السلمية العلنية حق للمعارضين وواجب على أهل الحكم، وضرورة لأى نظام سياسى حقيقى، وهى ليست شرًا ولا رجسًا ولا خيانة، ولا يضيق بها إلا من يريد للدولة أن تكون هو، وهو يكون الدولة، وتلك نزعة تنتمى إلى زمن الاسبتداد، وعهود بائسة فى القرون الغابرة، دفعت البشريةُ الكثيرَ من التضحيات فى سبيل أن تفارقها، وليس بوسع أى حر رشيد أن يعود إلى ذلك الزمن البعيد الذى كان الحاكم يأمر فيطاع، ولا يجد من يقول له إن أساء: «عليك أن تراجع نفسك»، ولا يريد من الناس سوى أن تجلس ليل نهار تصفق له، وتشيد بعظمته.
لهذا نحن بحاجة ماسة إلى أحزاب مدنية قوية تعارض ما لا يروق لها من سياسات، وتبنى نفسها فى صبر وأناة. وعلى من يعيرون هذه الأحزاب بأنها ورقية أو هشة أن يتذكروا أن أقل مرشحى حزب الوفد شأنا كان قادرا على هزيمة مؤسس جماعة الإخوان نفسه فى الانتخابات البرلمانية، وكان الناس يقولون: «لو رشح الوفد حجرا لانتخبناه»، لكن منذ يوليو 1952 والأحزاب المدنية تتلقى ضربات موجعة متوالية، بينما راحت السلطات المتعاقبة تبرم الصفقات مع التيار الذى يوظف الدين الإسلامى فى تحصيل السلطة وحيازة الثروة، ومع هذا يخرج أتباع السلطة ليعيّروا المدنيين قائلين لهم: أين أنتم من الشارع؟!
(2)
تنبئنا تجارب التاريخ الاجتماعى بفارق بين الفتوة والبلطجى، الأول، ومهما بلغ جبروته، عنده الحد الأدنى من الالتزام ببعض الأعراف والقيم والعلاقات الإنسانية. أما الثانى فهو غشوم لا يلتزم بأى شىء، ويتوهم أنه قادر على إخافة الكل ونيل ما يريد. الأول يعيش طويلا، والثانى سرعان ما يكتشف الناس أن جعجته تخفى خوفه فيسقطونه. من أسف فإن حياتنا غاب فيها «الفتوات» وملأها «البلطجية» جلبة ودمارا، مع أن الحياة السليمة يجب ألا تقام حتى على أكتاف الفتونة، إنما بتطبيق القانون، ليكون هو وحده من يفصل بين الناس فى النزاع، ويرتب لهم الحقوق والواجبات.
(3)
التحدى الأكبر الذى يواجه الانتخابات الرئاسية المقبلة هو المشاركة، إذ هناك مخاوف لدى السلطة من ضعف الإقبال عمدا، وهو ما يعنى انصراف الناس عن السياسة، أو رغبتهم فى إيصال رسالة بليغة إلى أهل الحكم، ولا سيما أن هؤلاء يلحون ليل نهار فى طلب نزول الناس للتصويت، لأنهم يدركون فى أعماق نفوسهم أن هناك ارتباطا كبيرا بين الشعبية وجوهر الشرعية، وأنهم فى حاجة ماسة إلى أن يبعثوا برسالة إلى العالم تقول إن السلطة لم تخسر الناس، وأن من لا يزالون حولها كثيرون، ومن هنا يوجد التحدى الذى هو أكبر بكثير من تحدى وجود مرشح آخر.
(4)
حين افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى مشروع تفريعة قناة السويس، قال وقتها: هذه خطوة فى طريق الألف خطوة يومها كتبت، وقلت، رغم اعتراضى المبدئى على الاستعجال فى تنفيذ هذا المشروع: لتكن الـ999 خطوة الباقية للتعليم، وسنمضى مليون خطوة، وليس ألفا فقط. مصر التى علمت الدنيا لا تزال بحاجة إلى تطوير تعليمها، قولوا لى بالله عليكم: متى نبدأ؟!
(5)
المستبدون لا يقبلون لشعوبهم طريقا للدخول والخروج إلا من باب الخدم والعبيد، وبالتالى لا تصدقوهم إن خاطبوا الشعب واصفين إياه بالأبى الكريم الحر، فهذا كذب صريح.
والاستبداد السياسى سرطان يقتل جسد أى دولة، مهما كانت قيمة الغذاء الذى يتغذاه، والرّفَه الذى يحياه. ومهما اهتمت الدولة بالاقتصاد والأمن فإن إهمالها حريات العامة سيصيبها بمرض عضال، لا تنفع معه الأغذية المادية. ولا يمكن لنهضة أن تقوم بين العبيد، والإنسان المقهور ليس بوسعه أن يبدع.
(6)
الاختلاف والخلاف والمعارضة ورفض سياسات السيسى ومواقفه- لا تعنى أبدا الاصطفاف مع تنظيم الإخوان وتصوراته ومقولاته وتوجهاته، فالموقف السليم يقتضى رفض الفاشية والديكتاتورية معا، ويسعى إلى أن تكون مصر مدنية بكل ما تعنيه الكلمة، وهو ما يجب أن تعمل عليه المعارضة المدنية فى قابل الأيام.
(7)
الحرية تطلب لذاتها، لأنها جوهر وجود الإنسان على الأرض، وتوافرها، ورعايتها، يخدم كل مسارات الحياة. وبالتالى فإنه لا يجوز التضحية بالحرية من أجل أى أسباب أخرى، ولا التنازل عنها تحت أى ذرائع، سواء الأمن أو التنمية أو أى شىء آخر. فمهما حققت من درجة فائقة من الأمن، وعالية من التنمية، فإن غياب الحرية سيؤدى إلى تحويل الأمن إلى خوف، والتنمية إلى فساد واستعباد.
(8)
تحول معرض الكتاب إلى فعل بيروقراطى باهت، أشبه بالموالد التى لا تتغير طقوسها، ولاسيما مع انحراف النقاش عن القضايا الحقيقية التى تشغل الناس، ومع استبعاد بعض الأسماء التى كان يمكن أن تعطى النقاش حيوية، وفى ظل تخمة من ندوات متوازية، وهى قد توحى بالتعددية، لكنها فى حقيقتها أقرب إلى ثرثرة تصنع ضجيجا لا يكاد يتبين منه صوت واضح لمعنى.
لم يختلف المعرض الحالى عن سابقيه، حيث نجد إقبالا شديدا ليس بدافع شراء الكتب، أو حتى الاطلاع على عناوينها، أو حضور الفعاليات الثقافية، إنما الأغلبية تعتبر المعرض أشبه بحديقة عامة للتنزه، وهذه مسألة لا بد من علاجها، فإما أن نجذب هؤلاء إلى القراءة، أو نحمى الذاهبين إلى المعرض بغرض تعاطى الثقافة من زحامهم، وهى مسألة تفتح الباب أمام نقل المعرض إلى مكان أضيق، لكنه أكثر تعبيرا عن الثقافة من تلك الحديقة الهائلة التى تسمى أرض المعارض.
لا ألقى بكل اللوم على منظمى المعرض فقد بذلوا كل جهد مستطاع فى ظل الإمكانيات المتاحة لهم، لكننى أدين السياق السياسى الذى ينزع إلى التسلط التقييد والاستبعاد والإقصاء والتعتيم والتسطيح. وبعيدا عن المعرض، وبشكل أكثر شمولا، فإن الفرز العكسى والإفساد المنظم وتراجع مستوى التعليم أثر سلبا على قيمة الثقافة المصرية ووزنها، يزيد على ذلك الإصرار على إلحاق الثقافى بالسياسى، أو السلطوى، وبالأحرى التسلطى. لكن الطاقة الثقافية فى مصر جيدة، وتحتاج إلى استعادة أو تفجير لإمكانياتها، ليبدأ الوضع فى التحسن تدريجيا.
(9)
ثلاث خطوات لمواجهة الجماعات والتنظيمات الدينية طالبة السلطة السياسية بشكل سلمى، وليس بالطبع التنظيمات التفكيرية والإرهابية التى ترفع السلاح:
1ـ تحجيم الأدوار، بمعنى عدم تركها وحيدة فى الحياة الاجتماعية، ولا سيما بجانبها الخدمى والنفعى.
2- دحض الأفكار، لأن الفكر لا يواجه إلا بفكر مثله، مهما كان متهافتا أو ملتويا أو مغرضا أو غير علمى.
3ـ إطلاق الحوار، لأنه الوسيلة الأنفع لجعل أتباع هذا التيار يدركون أن ما يعتنقونه غير صالح، قولا وعملا، وأن طلب السلطة يضر بجلال الدين وروحانيته.
(10)
بلغنى أن شبه إعلامى كان ممثلا فاشلا، ولا يزال، كلت يداه من كثرة «التطبيل» وتعب لسانه من سيل النفاق، قد حدثته نفسه فى غفلة منه أن يلقى فى سلة المهملات ورقة فيها عبارة لى كنت قد غردت بها على «تويتر»، أشيد فيها بعظمة مصر، وذلك كى يرضى أسياده، وأنه ما إن همَّ فاعلا حتى طارت الورقة، واستقرت على المكتب، بينما سقط هو فى السلة غير مأسوف عليه.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية