توقيت القاهرة المحلي 20:20:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كوارث الطبيعة وعلاقات الدول.. النزعة الإنسانية والتنمية «2- 3»

  مصر اليوم -

كوارث الطبيعة وعلاقات الدول النزعة الإنسانية والتنمية «2 3»

بقلم - عمار علي حسن

لم تلقَ الاتفاقيات التى أبرمتها الدول فى مجال الحفاظ على البيئة تطبيقًا كاملًا، بل تشهد انتهاكًا لبنودها، خاصة من الدول الكبرى. مع هذا، فإن النضال مستمر فى سبيل تنفيذ كل ما حوَتْه لنفع البشرية جمعاء، وتعزيز الجانب الإنسانى فى علاقات الدول.

ودفع الدول الكبرى إلى أن تلتفت إلى توجيه جزء من ميزانياتها الضخمة إلى البيئة، ودرء الكوارث، وإدارة الأزمات التى ينتجها «غضب الطبيعة»، ومساعدة البشر على التغلب على الأخطار التى تحدق بهم، ومنها الأمراض الخطرة، بدءًا من «سارس» (الالتهاب الرئوى الحاد اللانمطى)، فى آسيا إلى «جنوب البقر» فى أوروبا، إلى «الإيدز» و«السرطان» فى كل أنحاء العالم.

2- تسييس الطبيعة: ما من شك فى أن حياتنا صارت مُسيَّسة بشكل أو بآخر، فقد أصبحت السياسة متداخلة مع الكثير من سلوكنا وعاداتنا اليومية، وامتدت ذراعها، فطوّقت كل ما كنا نعتقد فى الماضى أنه بعيد عنها كل البعد.

وعملية تسييس الظواهر الاجتماعية كانت هى الآلية التى ميزت علم السياسة فى القرن العشرين عن القرون التى خلت، فقديمًا كان هناك فرق واضح بين السياسى والأخلاقى، فالإجهاض، مثلًا، كان فى القرن التاسع عشر مسألة أخلاقية، وكان وضع الأسرة ومسائل الصحة والتربية بعيدة عن اهتمامات السياسة، باسم احترام الحياة الخاصة.

أما فى القرن العشرين، فتم توسيع ميدان السياسة ليشمل كل المسائل السابق ذكرها، وامتدت شبكة التفسير السياسى إلى كافة النشاطات الإنسانية، بل وصلت إلى الظواهر الطبيعية، فعدم هطول المطر أو وقوع الزلازل يبدو لأول وهلة أمرًا بعيدًا عن السياسة، لكن إعادة النظر فى هذه المسألة ستقود إلى نتيجة مفادها أن السياسة تقع فى قلب هذه الظاهرة الطبيعية.

فبعض الناس يعتقدون أن هذه الكوارث نجمت عن غضب الله سبحانه وتعالى على الحكام لظلمهم وفسادهم، وفى كل الأحوال فإنهم سيلجأون إلى السلطة لتنقذهم مما حل بهم من خسائر، وعليها أن تستجيب، فى هذه الأوقات الحرجة، حفاظًا على الشرعية وضمانًا للاستقرار السياسى.

فى ظل هذا الفضاء العام لتسييس الظواهر، تأتى قضايا البيئة لتلقى بنفسها فى غمار العملية السياسية فى بُعديها المحلى والدولى، فهذه القضايا برزت فى نهاية القرن العشرين إلى واجهة الاهتمامات السياسية العالمية، فهى حتى فى جانبها التقنى تستدعى استجابات سياسية. وجاء رد الفعل السياسى على ما فرضته البيئة من قضايا فى شكل استحداث أنظمة ومؤسسات للتحكم فى البيئة، وإبرام اتفاقيات عالمية بشأنها، وقيام أنماط عدة من التفاعلات الدولية حولها.

3- إنتاج فاعلين دوليين جدد: فنظرية العلاقات الدولية التقليدية كانت تنظر إلى الدولة على أنها الفاعل الرئيسى فى النظام الدولى، لكن التاريخ الحديث والمعاصر شهد ميلاد «فاعلين دوليين» آخرين. وكانت لقضية البيئة نصيب فى هذا المضمار، فخلال عقدى السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، وُلدت ونمَت حركات «الخضر» والعديد من المنظمات البيئية والصناعية غير الحكومية، وراحت تمارس دورًا عالميًّا فى سبيل الحفاظ على البيئة، جنبًا إلى جنب مع الدول.

وقد تمكنت هذه المنظمات من إيجاد حالة من المعارضة ضد صيد الحيتان، وامتد نشاطها إلى مقاومة التلوث الإشعاعى والنفطى، وإلى قضايا «المشاعات العالمية»، وأصبح بعضها، مثل «الصندوق العالمى للحياة البرية» و«المعهد الدولى للبيئة والتنمية»، يقدم النصح للحكومات، بشكل دورى.

وتمكن بعضها من الحصول على صفة مراقب فى مؤتمرات الأمم المتحدة حول البيئة، بل إن بعضها يحضر ضمن الوفود الوطنية الممثلة فى هذه المؤتمرات. وهذا الحضور الفعال جعل هذه المنظمات تتحدث، شأنها فى ذلك شأن منظمات نظيرة تهتم بقضايا أخرى، عن «المجتمع المدنى العالمى».

4- إذكاء جدل «السيادة» و«العولمة»: فما فرضته العولمة قسرًا أو بالتراضى نال كثيرًا من المفهوم التقليدى لسيادة الدول، إذ لم يعد بمقدور الأخيرة أن تدّعى أن لها حدودًا بوسعها أن تمنع تدفق السلع والمعلومات، وأن بإمكانها رفض مطالب مؤسسات «المجتمع المدنى العالمى»، خاصة تلك المهتمة بحقوق الإنسان والتبشير بالقيم الديمقراطية.

ولم يعد بمقدور أى حكومة أن تعزل البلد الذى تقوده عن العالم، أو تُجرم أى مواطن يتصل بالهيئات الدولية المختصة، أو حتى وسائل الإعلام الخارجية، ليشكو إليها ظلمًا وقع عليه، أو يناشدها أن تساعده فى دفع ضرر طاله، ولم تُمكنه الظروف القائمة والإجراءات المتبعة فى بلاده من أن يدفعه، أو يرفعه عن كاهله. ويزداد هذا التصور رسوخًا حال تأسُّسه على الأفكار التى ساقها ميرفن فروست، عالِم العلاقات الدولية، من أن هناك فرقًا بين «الحقوق المدنية» و«حقوق المواطنة»، معتبرًا أن «الفرد يكون مواطنًا فى المجتمع الوطنى المتمتع بالسيادة، وهو فى الوقت نفسه مدنى فى المجتمع العالمى.

ومن هنا يكون له نوعان من الحقوق، الأول بوصفه مواطنًا محليًّا، والثانى لكونه فردًا عالميًّا، فإذا أضَرّت حكومته الوطنية بحقوقه العالمية بات من حق المجتمع الدولى أن يتدخل لحمايته»، خاصة أن سيادة أى دولة، حسبما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسى جان جاك روسو، هى مجموع سيادة الأفراد الذين يكونون هذه الدولة، وليست سيادة السلطة فقط، حسبما تذهب أنظمة كثيرة فى العالم الثالث، تجور على حقوق مواطنيها بدعوى التمسك بالسيادة الوطنية.

وجاءت قضايا الكوارث البيئية لتضيف زخمًا جديدًا إلى الجدل الدائر حول حدود سيادة الدولة فى ظل تجبر العولمة، فالمشكلات البيئية التى تتخطى الحدود تفرض تحديات الأفكار السائدة حول سيادة الدولة، ولاسيما أن هذه المشكلات نادرًا ما تنتجها سياسات وطنية متعمدة، بل هى فى الأساس تنجم عن تأثيرات جانبية غير مقصودة لعمليات اقتصادية- اجتماعية أوسع نطاقًا.

ومع ذلك، فإن البيئة أخف وطأة على سيادة الدولة من قضايا «حقوق الإنسان» و«المواطنة»، فالاستجابات حيال ما على البشرية فعله من أجل بيئة نظيفة وطبيعية أدت فى بعض الأحيان إلى توسيع نطاق سلطة الدولة، وتعزيز مشاركتها المجتمع الدولى برمته هذه الهموم. وهنا تلعب الدولة دومًا دور الطرف القانونى فى أى معاهدات دولية حول البيئة، منطلقة فى كثير من الأحيان من تصورها لما يقع فى نطاق سيادتها، وما يجب عليها تقديمه من تنازلات لمقتضيات العولمة.

(ونُكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى).

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كوارث الطبيعة وعلاقات الدول النزعة الإنسانية والتنمية «2 3» كوارث الطبيعة وعلاقات الدول النزعة الإنسانية والتنمية «2 3»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:20 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما
  مصر اليوم - أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon