(1)
تختلف السياسة عن التجارة. فى الثانية يمكن لك الحصول على كل شىء ويخرج منافسك صفر اليدين. فى الأولى لا بد من توافق حول توزيع الأعباء والمزايا. إن إدارة السياسة بمنطق التجارة عبث وانتحار. بل هناك تجار أذكياء يدركون أن الاحتكار انتحار. فمتى يدرك الساسة هذا، إن كان هناك ساسة لدينا بالفعل؟
(2)
لن نختلف على أن الدستور ليس «نصاً إلهياً» لكن فى الوقت نفسه يجب أن نقر بوضوح بأنه لا يمكن أن يكون مجرد «جملة اعتراضية»، إنه «القلب» فى جسد الدولة، وليس «زائدة دودية» يمكن استئصالها فى أى وقت بهذه البساطة، دون أن تتأثر الوظائف الحيوية للجسم.
(3)
الحقوقيون والمناضلون السياسيون الذين ينتظرون نصرتهم من ماكرون أو ترامب، أقول لهم: الحكومات الغربية لا تشغلها سوى مصالحها، وتصديرها قضية الحريات وحقوق الإنسان مجرد دعاية جوفاء لإرضاء قلة من شعبها. فرنسا كما هى أمريكا وغيرهما لا يشغلها سوى مصالحها المادية المباشرة، وإن تعارضت مع حقوق الإنسان فلتذهب الأخيرة إلى الجحيم. لكن أن يسعى البعض لمحاكمة أربعة حقوقيين قابلوا ماكرون بناء على طلبه ووفق البروتوكول فهذا هو العبث بعينه. كفى فضائح أمام العالم يا سادة.
(4)
الاختلاف، وحتى الخلاف، مع السلطة لا يجب أن يؤدى ببعضنا، لا سيما من الشباب، إلى الكفر بالوطن، فمصر لو تعلمون عالية القدر بحضارتها العريقة التى علمت الدنيا بأسرها، وعلينا بدلا من هجرها أو الغبن منها أن نجتهد ونعرق ونبدع فى سبيل أن نعيد إليها مجدها.
(5)
فى ظل انتقادنا كثيرا مما نراه ونسمعه من الإعلام فى الوقت الراهن، لا بد ألا ننسى إعلام الإخوان، الذى كان القائمون عليه يتوهمون أن الأمر دان لهم، وأنهم قد انتقلوا من التمسكن إلى التمكن، فأخرجوا كل ما أخفوه فى سنين طويلة، وبان وجههم الحقيقى، ابتداء من «موتوا بغيظكم» إلى «سنسحقكم» و«نقتل مليون من أجل يعيش 99». الإعلام الحر فقط هو الجدير بأن نشاهده ونسمعه ونتابعه ونصدقه، أما غيره فلا وألف لا.
(6)
سهرت طويلا أقرأ ردود من يطلقون على أنفسهم «علماء الخلافة» فى أرض «الدواعش» التى تنحسر من تحت أقدامهم، حتى تزول قريبا إن شاء الله، على أسئلة «بوكو حرام». شىء يدعو للأسف والأسى بل الغم الشديد أن التلاعب بالدين وصل إلى هذه الدرجة، فصار مادة طيعة تبرر القتل والخراب بلا ورع ولا حساب.
(7)
أقول للأشقاء السودانيين الذين قابلوا أعضاء من الكونجرس فى واشنطن وعرضوا عليهم قضية ثورتهم: اعتمدوا على أنفسكم بالسلمية، أمريكا، لا سيما مع ترامب، ليست نصير حرية ولا سلام. هذه خلاصة 74 عاما منذ صعود الولايات المتحدة على قمة العالم وحتى الآن. لو أن مصالح واشنطن مع البشير ستضرب بحرية السودانيين وحقوقهم عرض الحائط، أمريكا تُجبر على الاعتراف بكفاح الشعوب لكنها لا تصنعه أبدا.
(٨)
لا معنى لإعادة ترشيح الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة لفترة خامسة، رغم أن الجزائريين ومعهم العالم كله يعلم أن الرجل مريض قعيد، بما يؤثر على قدرته على أداء مهام منصبه، سوى أن هناك من سيحكم من خلاله، أو أن الرجل رغم ظروفه القاسية هو الضمان الوحيد لعدم اندلاع صراع رهيب على السلطة.
(٩)
سيوزع دم الروائى والباحث العراقى علاء مشذوب، الذى اغتيل السبت، على أكف كثيرة، فالرجل كان ينتقد السلطتين الدينية والسياسية، ومتطرفو الجانبين جاهزون دوما لتشويه أو قتل المختلفين معهم. قتل الكُتَّاب وسجنهم سيجعلان كلماتهم تسكن رؤوسا أكثر وأوسع وأعمق. الكاتب نناقشه لا نقتله أو نسجنه.
(١٠)
فى ذكرى رحيل سيدة الغناء العربى أم كلثوم أتساءل: من قال إنها ماتت، بل الموتى وهم أحياء أولئك الذين يكرههم الناس ويتمنون رحيلهم حتى لو كانت تحت أيديهم أموال طائلة، أو كانوا فى أعلى المناصب، فلا مالهم ولا مناصبهم قادرة على أن تمنحهم الحب، ولذا فهم موتى حقا.
(١١)
لنحىِ ذكرى استشهاد 72 شابا مصريا، خطفتهم يد الغدر والخسة والتجبر فى ساعة من ليل حالك، بعد أن أطفأ الجناة نور الاستاد، لكن نور أرواحهم البريئة لا يزال قادرا على أن يجعل ذكراهم لا تنطفئ أبدا.. اللهم ارحمهم واقبلهم عندك من الشهداء.
(١٢)
رحلت هبة خفاجى، التى كانت تعالج مرضى السرطان من الفقراء، وتركت ابتسامتها بيننا تعلّم كثيرين من الأطباء كيف يخففون آلامنا. فبمثل د. هبة فى كل مجال بقيت مصر على قيد الحياة رغم كل شىء.
(١٣)
خطف الموت حاتم العسكرى، قبل يومين كان يكتب بشجاعة نادرة على «تويتر» و«فيسبوك»، لا يهاب شيئا، ولا ينتظر من أحد مدحا ولا ذما، إذ كانت تغريدته على أهميتها لا تأخذ أحيانا تعليقا واحدا، ومع هذا واصل كأنه كان يكتب وصيته الأخيرة. الله يرحمك يا حاتم، كنت وطنيا نقيا طيبا، فلك منا السلام.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع