توقيت القاهرة المحلي 09:08:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في معنى الصمود.. تمرين مهم لأهل غزة

  مصر اليوم -

في معنى الصمود تمرين مهم لأهل غزة

بقلم - عمار علي حسن

لم يُعنَ كثيرون بتجلية معنى الصمود وسبر أغواره، ولم يأخذ هذا المصطلح حظه من الشرح والتفسير والإحاطة التى حظيت بها مصطلحات أخرى مرتبطة بالصراع الفلسطينى- الإسرائيلى، رغم أن الصمود يشكل قيمة مركزية ومسلكًا رئيسيًّا فى هذا الصراع، بل تحوّل الصمود إلى شعار عريض آمن به كثيرون، وتعالت أصواتهم به قائلة: «صامدون هنا».

والصمود هو حالة نفسية وذهنية وجسدية تساعد الفرد والجماعة على تحمل أقصى درجات الألم، عبر امتصاصه وتفريغه من مضمونه وتجريده من كل أداة يضغط بها على النفس والعقل والجسم، وحرمان مستعمليه من تحقيق الغايات والأهداف التى يرومونها من إيلام الآخرين والتنكيل بهم، ماديًّا ومعنويًّا.

ويبلغ الصمود حده الأقصى والأنجع حين يتمكن الصامدون من حمل العدو على الشعور بأنه يخسر مع استمرار القتال، مما يجعله يفكر جديًّا فى إيقافه، وجعله أيضًا يشعر بأن المقاومة لم تتأثر من ضرباته إلى الحد الذى يجعلها قريبة من الانهيار والاستسلام، وكذلك حين يتمكن الصامدون من تعزيز قوى الضغط على العدو فى داخل أرضه وفى المحيط الإقليمى والدولى الذى يعنى بالمعركة أو يراقبها ويتابعها، والنجاح فى جلب تعاطف متصاعد مع المقاومة، كلما مرت الأيام وهى صامدة مستبسلة فى ميدان القتال، ثم تحسن الوضع الميدانى معها بما يجعلها تشعر أنها على أبواب النصر.

وللصمود مظاهره وتجلياته التى لا تخفى على المتابعين والدارسين، منها القدرة على الصد حتى آخر لحظة فى المعركة، وحرمان العدو أو الخصم من تحقيق كل أهدافه التى حددها لنفسه قبل خوض القتال، وكذلك القدرة على الحفاظ على تماسك المجتمع واستمراره مهما كان العدوان مفرطًا فى استعمال القوة والبطش، وإمكانية إعادة ترميم وتعمير ما خرّبه العدوان، واستعادة القدرات العسكرية التى تم تدميرها أثناء المعركة، والقدرة على إدارة صراعات حادة تنطوى على التعرض لضغوط قاسية، ويمكن لبعضها أن يطول، ويستهدف فيه العدو اقتلاع أهل البلد الأصليين من أرضهم وتشتيتهم خارج وطنهم، أو إذلالهم معنويًّا إلى حد إجبارهم على الهروب والرحيل، ثم تصوير الأمر للعالم على أنه اختيار حر لهؤلاء.

وهناك شروط ضرورية يجب توافرها أو على الأقل توافر أغلبها كى يتحقق الصمود، ويمكن ذكرها على النحو التالى:

1- بناء تكتيكات متماسكة تعمل على توزيع طاقة المقاتلين وجهدهم على أيام المواجهة، بما يُمكِّنهم من سد أى ثغرة ينجح العدو فى إحداثها خلال سريان المعركة، أو سعيه إلى الإنهاك الجسدى والنفسى للمقاتلين.

2- توافر القدرات القتالية، من ذخيرة حية وتدريب رفيع المستوى يكافئ كل معركة حسب حجمها ونوعها وطورها، وإقامة تجهيزات عسكرية مناسبة، وتوفير دعم لوجستى مستمر على مدار أيام المواجهة المسلحة.

3- حيازة القيم التى ينطوى عليها الصمود، مثل الصبر على المكاره، والعناد الإيجابى الذى يقوم على التماسك النفسى، والثقة فى الله سبحانه وتعالى وأنه ينصر مَن ينصره بالانحياز إلى الحق والعدل والحرية والخير، والإيمان بالذات، والشعور الجارف بأهمية التضامن مع الآخرين، وامتلاء الجوانح بالانتماء إلى كل ما يحقق وجود الإنسان ويصون كرامته، كالعقيدة والأرض والعِرض والأهل والمعانى النبيلة.

4- امتلاك القدرة على توظيف كل المجالات المتاحة لتعزيز المقاومة، مدنية كانت أم مسلحة، مثل: الإعلام، المكتوب والمسموع والمرئى والمتعدد، بما يؤهل الصامدين لإنتاج خطاب يساعد على إقناع مَن هم على الحياد بعدالة قضية المقاومة وسموها، ومن ثَمَّ جذبهم إلى الوقوف إلى جانبها ومساندتها بالقول أو الفعل أو بكليهما، ثم توظيف الأدوات الدبلوماسية المتعارف عليها لتحقيق النصرة السياسية للمقاومين عبر التعريف بها فى كل المحافل الدولية، وإدارة تفاوض ناجح مع العدو حين يحين وقت ذلك، بما لا يجعل المقاومة الصامدة تخسر بالسياسة ما لم تخسره بالسلاح، أو تفرط على الطاولات الباردة فيما لم تفرط فيه فى الميادين الملتهبة.

5- وجود يقين لدى الصامدين بأن الأضرار الناجمة عن التهاوِى أو الاستسلام أشد وطأة وأفدح أثرًا من تقديم التضحيات، مهما بلغت جسامتها وضخامتها. ويمكن هنا أن يراجع الصامدون تاريخ جماعات المقاومة فى مشارق الأرض ومغاربها، ليقفوا على الأضرار التى ترتبت على التهاوِى والرضوخ بعد صمود قصير، والعار الذى لحق بالمقاومين والمجاهدين، الذين فرّطوا فيما حصدوه من صمودهم وثباتهم.

6- عدم انتظار الصامد مكافأة خارجية على صموده، بل التصرف على أساس الإيمان بأهمية الصمود والاقتناع بالذات الصامدة، فمَن ينتظر فائدة أو منفعة دنيوية، مادية أو معنوية، على ثباته، سيتهاوى ويُهزم على الأرجح إن تأخرت هذه المنفعة، أو تأكد من أنها لن تأتى أبدًا، أو ستأتى أقل من المتوقع.

7- امتلاك الفرد إرادة واعية تُمكِّنه من تحويل التهيئة الذهنية والنفسية للصمود إلى سلوك عملى مستمر فى مقاومة الاحتلال يتجاوز بكثير مجرد الشجاعة العفوية أو الطارئة، التى يمكن أن يمتلكها الفرد فى لحظة استثنائية من حياته، ثم لا تلبث أن تتبخر، والتى هى أمر عارض فى حياة الأفراد والجماعات، لا يُعوَّل عليها، ولا تُبنى عليها استراتيجيات، أو تُعقد آمال.

8- إيمان الإنسان بأنه يمتلك طاقة غير محدودة تُعينه على تحمل الألم وتجاوزه، وتجعله موقنًا بأن عدوه أو خصمه سيفشل فى كل الأحوال، وتُمكِّنه من حيازة قدرة كبيرة على تحويل كل نقاط الضعف إلى مواطن قوة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في معنى الصمود تمرين مهم لأهل غزة في معنى الصمود تمرين مهم لأهل غزة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon