توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الموريسكى الأخير» (1 - 2)

  مصر اليوم -

«الموريسكى الأخير» 1  2

عمار علي حسن

غاب الأديب صبحى موسى فى حنايا التاريخ بعيداً وعاد ومعه حكاية موجعة عن معاناة بعض المسلمين الذين بقوا فى الأندلس بعد سقوط غرناطة آخر إماراتهم هناك سنة 1492م واضطروا إلى التظاهر بدخول المسيحية، لينسج من تفاصيلها المعروفة وما جاد به خياله، خيوط روايته «الموريسكى الأخير»، التى صدرت طبعتها الثانية عن «الدار المصرية اللبنانية» قبل أيام.

ربما أدرك الكاتب هنا الوظائف التى تنهض بها «الرواية التاريخية»، وهى مسألة ظاهرة لديه، وأولها ردم الحفر الهائلة التى تركها المؤرخون بفوقيتهم وتحيّزهم ولهاثهم وراء يوميات السلاطين والملوك والأمراء والوجهاء وقادة الجيوش، ليبقى الأدب كما قال عبدالرحمن منيف «تاريخ من لا تاريخ لهم». وثانيها استعادة التاريخ لاتخاذه عملاً رمزياً يتم إسقاطه على الواقع المعاصر، كرواية «الزينى بركات» لجمال الغيطانى و«السائرون نياماً» لسعد مكاوى. وثالثها إعادة صياغة التاريخ بوقائعه وشخوصه وغموضه، لصناعة «واقعية سحرية» ذات سمت خاص. ورابعها اختلاق تاريخ موازٍ للتاريخ الحقيقى، مثلما فعل نجيب محفوظ فى «ملحمة الحرافيش»، وخامسها استعادة التاريخ كشريك للحاضر، يتفاعل معه ويتشاكل ويتلاقح بلا قيود أو سدود، مثلما فعلت الكاتبة التركية أليف شافاق فى روايتها «قواعد العشق الأربعون». وسادسها الكتابة عن شخصية تاريخية معروفة مثلما فعل المغربى بنسالم حميش فى روايته «العلامة» عن ابن خلدون، وأبوالمعاطى أبوالنجا فى روايته «العودة إلى المنفى» عن عبدالله النديم.

أما «الموريسكى الأخير» فتدور حول تاريخ معروف، وواقعة كبرى، وتحاول أن تفضح المسكوت عنه، وتدفع المنسى إلى سطح الذاكرة، وهى فى الوقت ذاته رواية عن شكاية أو مظلمة، طالما مثلت عند أمم شتى مصدراً لأعمال سردية، أو دفع انحياز أدباء لها بهم إلى معارك مشهودة، مثل ما وقع للتركى لأورهان باموك فى تعاطف مع مذبحة الأرمن، أو تعاطف بعض الأدباء فى أوروبا وأمريكا اللاتينية مع القضية الفلسطينية، ودخولهم فى مجادلات ومساجلات جراء هذا. وهنا يمكن اعتبار الرواية التى نحن بصددها تلفت الانتباه إلى ضرورة اعتذار إسبانيا للموريسكيين المسلمين وتمنحهم الجنسية وترد لهم حقوق المواطنة، على غرار ما فعلت إسبانيا مع الموريسكيين اليهود.

لكن «الموريسكى الأخير» لم يقصد صاحبها فقط أن يعرض لنا حدثاً تاريخياً جافاً أو يعبّر عن تعاطفه مع قوم ظلموا، متوسلاً بفن الرواية، إنما هو وقع على حكاية أثيرة منسية فراق له أن يمنحها من قريحته الأدبية حياة جديدة، ويجذب ماضيها ليمشى بيننا، من خلال بطل الرواية «مراد رفيق حبيب»، الذى يعيش فى مصر، وشارك فى ثورة 25 يناير ضد نظام «مبارك»، ومثلت مشاركته فى المشهد الأول للرواية، لنتابع طيلة صفحاتها توازياً بين أزمنة ثلاثة، ماضى الموريسكيين فى الأندلس حين تظاهروا بترك الإسلام حتى تم تهجيرهم نهائياً ما بين 1609 إلى 1613، وفى شمال المغرب حين كان يُعيّر من هرب بإسلامه من محاكم التفتيش بأنه لم يعد مسلماً، ثم وجودهم فى مصر خلال التاريخ الحديث حين جاء الجد الأكبر «عطية الله» وحصل على جفالك من محمد على باشا، ليبدأ رحلة تمكين لنسله فى مصر، وهنا تقول الرواية عنه: «كان قد تقدّم بطلب للحصول على نسخة معتمدة من حجة الوقف الخاص بالعائلة ورواق المغاربة، حين كتبها جده عطية عام 1805 لم يكن يعلم أن محمد على سيقضى على مهنة الملتزم، لكنه سعى لتأمين أسرته التى امتدت لعدة فروع». وأخيراً، حاضر الحفيد، وابنة عمه «ناريمان»، وهو الذى يعيش حريصاً على نفسه بوصفه آخر نسل الموريسكيين بأرض النيل، ويسعى إلى استرداد وقف العائلة الذى خصّصه جده الملتزم لعائلة الموريسكى ورواق المغاربة بالجامع الأزهر، ويرى فى كل الأحوال أن «العالم أضيق من ثقب إبرة».

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الموريسكى الأخير» 1  2 «الموريسكى الأخير» 1  2



GMT 15:43 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 15:42 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 15:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 15:40 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 15:39 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 15:37 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة... والخوف الاصطناعي

GMT 15:36 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات ومراجعات (87).. ذكريات إيرلندية

GMT 15:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم ــ غزة... «كريسماس» البهجة المفقودة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon