توقيت القاهرة المحلي 07:23:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«دولة الدين».. ومزاعم المتطرفين

  مصر اليوم -

«دولة الدين» ومزاعم المتطرفين

عمار علي حسن

ينبع مسعى خلط الدين بالسياسة من تصور قديم، تحول بمقتضاه الإسلام إلى أيديولوجيا، حيث زعم بعض القدامى أن مهمتهم ليست سياسة الدنيا فحسب، بل حراسة الدين أيضاً. وعلى رغم أن الجماعات والتنظيمات الدينية الساعية إلى حيازة السلطة السياسية في مصر لم تجهر صراحة بأنها تعمل على إقامة «دولة الدين» لكن جوهر مشروعها، وبعض أدبياتها، والكامن وراء سطور وكلام قياداتها، يشي بأن هذا مقصدها من دون مواربة، وهو ما يظهر بجلاء في تعبيرها الأثير «دولة إسلامية»، المبثوث في خطابها وأدبياتها بشكل كبير.

فالحديث عن «استعادة الخلافة» وما يسمى «التماهي مع الأممية الإسلامية» و«أسلمة المعرفة» و«العصبة المؤمنة».. إلخ! كل هذا لا يخلو في أصله من استنبات «دولة الدين»، التي عبر عنها التصور المؤسس لجماعة «الإخوان» حين انطلق من أن الإسلام «دين ودولة، ومصحف وسيف»!

وبناء عليه ظلت الجماعات والتنظيمات الدينية المصرية، شأنها شأن أمثالها في بلدان عربية وإسلامية أخرى، تنازع الدولة في شرعيتها، أو بمعنى أدق لا تعترف بالشرعية التي تقوم عليها الدولة المصرية، سواء كانت ملكية في عهد ما قبل ثورة يوليو 1952، أو ثورية بعدها، ثم دستورية من خلال الاستناد إلى الدستور كمرجعية، ولو من الناحية الشكلية.

ولم تكن مشكلة هذه الجماعات الأساسية نابعة من تزوير الانتخابات وانتهاك الدستور وعدم وجود الدولة العادلة، وإنما كانت مشكلتها تنصرف دوماً إلى ما تسميه «عدم تطبيق الشريعة» و«تغييب الإسلام عن المجال العام»، وتضع جل اهتمامها بهذا الأمر إلى درجة أنه كان يغلب بوضوح على خطابها السياسي وتصريحها قادتها!

وعلى رغم ما نص عليه الدستور حول «دين الدولة»، فإن هذه الجماعات، على اتفاقها في المنهل الذي تغرف منه، وتدرج خطاباتها وأشكالها في التحايل، وموقع ممارساتها من العنف بشتى أنواعه، لم تكتف بهذا، وبدا أنها لا ترضى لإقامة «دولة الدين» بديلًا، منتهزة الفرصة التي أتاحتها لها ثورة يناير بتشكيل أحزاب دينية، على رغم أنها تنفي هذا وتزعم أنها أحزاب مدنية شأنها شأن سائر الأحزاب الموجودة على الساحة المصرية.

واختلفت الجماعات في وسيلة تحقيق هذا بين من يؤمن بالعمل الانقلابي العنيف، ولذا دخل في مواجهة مسلحة ضد السلطة، ومن يؤمن بالتدرج والتحايل. ولكن مع مرور الزمن تبدلت الأدوار، فعاد من استخدموا العنف إلى التحايل، مثلما فعل تنظيم «الجماعة الإسلامية» الذي قبل «مبادرة وقف العنف» وبدأ رحلة تصالح مع السلطة عام 1997 لكن بعض قياداته عادت إلى العنف مرة أخرى خلال حكم «الإخوان» وبعد إسقاطه. وتقلب «الإخوان» غير مرة بين العنف المسلح والتحايل، وانسلخت من رحم «السلفية» جماعات وأفراد حملوا السلاح ضد الدولة والمجتمع.

وهذا المسعى عموماً أوجد عبر الزمن أشكالًا وأنماطاً متنوعة ومتقلبة من التفاعل بين الدولة والجماعات الدينية المسيسة، مثل التحالف والتعاون والتنسيق ثم الانعزال والتنابذ والتنافس والعنف المتبادل والصراع الدموى، حيث تقاربت هذه الجماعات من الدولة المصرية في بعض المراحل بغية دفع تديين المجال العام خطوات إلى الأمام، ولكنها لم تلبث أن دخلت في مواجهة دموية، لأنها لا يكفيها أن تكون طرفاً اجتماعياً وسياسياً إلى جانب القوى الأخرى اليسارية والليبرالية، والقوى المحافظة المرتبطة بالسلطة، بل تريد أن تهيمن على المجال العام، وكلما شعرت بأن هذا لن يتاح لها بالتحايل، رفعت السلاح، ولاسيما أن هذه التيارات تتعامل مع الديمقراطية بانتهازية شديدة، وتختزلها في «صندوق الانتخاب» دون إيمان بأن الصندوق مجرد إجراء ضمن إجراءات أخرى، وأن الأهم هو الإيمان بقيم الديمقراطية وثقافتها من التعددية وتداول السلطة والمواطنة وممارسة السياسة على أرضية وطنية واحترام الحقوق والحريات العامة. فكل هذه المسائل لم تحسمها أدبيات هذه الجماعات وتصوراتها حتى بعد حيازتها السلطة السياسية!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«دولة الدين» ومزاعم المتطرفين «دولة الدين» ومزاعم المتطرفين



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon