توقيت القاهرة المحلي 13:49:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«رحلة الضباع» (2-2)

  مصر اليوم -

«رحلة الضباع» 22

عمار علي حسن

فى رواية «رحلة الضباع» للدكتورة سهير المصادفة، يعترف الزوج نفسه باكتمال زوجته، فها هو يقول: «عام وأنا أحاول اتخاذ قرار بتركها، ولا أجد ثغرة واحدة فى هذه المرأة لتنفيذ قرارى. أقوم كل يوم بتأليف سيناريوهات جديدة تنهار جميعها أمام هدوئها وحبها اللامحدود.. أعود من الجريدة فأجد بيتى نظيفاً وغذائى جاهزاً، وهى فى قمة الأناقة تنتظرنى كعادتها فى لهفة».

وفى ثنايا الرواية نكتشف أن هذه الرؤية المتخلفة للمرأة التى تُعشش فى رأس الزوج لا تعود إلى مقته لزوجته أو غبنه من عقمها إنما تنبع من رؤيته الرجعية لكثير من الأمور، منها مثلاً تلك التى يعتقد فيها أن كتابة الأدب شىء لا يليق بالرجال، إذ يقول: «كنت عندما أمر على محررى صفحة الأدب، ويعرفوننى إلى شاعر أو روائى أسلم عليه بكل احترام لكننى فى الحقيقة بينى وبين نفسى كنت أشعر بغثيان ليس له حدود. لم أستسغ أبداً فكرة أنها وظيفة مناسبة لرجل.. رجل يجلس على مؤخرته طوال اليوم ليكتب قصصاً وحكايات! لا أدرى من أين أتتنى فكرة أن الرجل لا يناسبه كل هذا القدر من التأمل والكسل، ربما أستسيغ أن يكتب فلسفة أو فكراً أو كتاباً سياسياً أو فى علم اللاهوت والأكثر كتاباً علمياً، ولكن رواية أو قصة، طالما سخرت بينى وبين نفسى من هذه الفكرة».

وتحفل الرواية بلغة شاعرية فى كثير من المواضع، لأن كاتبتها شاعرة أيضاً، وهى مسألة نجدها فى كثير من العبارات مثل: «شعرها المبعثر على الوسادة كشلال من خيوط سوداء حريرية».. «أدوسها كما السجادة».. «قرأت صمتها».. «لا يقطعها إلا لهاث جدتى ومحاولة ابتلاعها لهواء الغرفة كله حتى تستطيع إكمالها».. «كانت رؤاى قد امتلأت عن آخرها بأظلاف الضباع ومناقير النسور وأظفارها وسماوات تمطر جماجم فوق رأسى».. «تتعاقب على روحى الهشّة شموس الله وأقماره».. إلخ.

وتزداد هذه الغنائية مع الحكاية القديمة التى تكتبها البطلة، حتى تحفظ وصية الجدات المتعاقبات عبر قرون طويلة، تكتبها لأنها عقيم، وبالتالى ليس بوسعها أن تنقلها شفاهة قبل موتها بأيام إلى حفيدتها من ابنتها كما تؤكد الوصية. وتبدأ هذه الغنائية بعبارة دالة تقول: «لا أتذكر أين أو ممن استمعت إلى هذه الحكاية يا بنتى. ولكنها ظلت تتردد فى أذنى وأنا أمتطى الأتان التى سرقتها من حوش بنى جحش، وأحاول المحافظة على مسيرة الشاة خلفى. تلك التى ربطتها فى عنق الأتان، حتى لا تهرب منى فأحرم من لبنها الذى قررت أن يكون زادى الوحيد طوال رحلتى، بالإضافة إلى ما سأجده من تمرات فى طريقى».

هذه الحكاية القديمة لا تجب الزمن الجديد للرواية، والذى يدور قبل ثورة يناير بقليل، ويستمر حتى وقوعها، ويتعمّق قبلها سنوات يستدل عليها من النقاش الدائر فى صحيفة «أندلسية» حول مستقبل الصحافة الورقية، ورئيس التحرير الفاسد الذى يكتب له محرروه، والكتّاب الذين هجروا الصحف إلى التليفزيون، لكن الكاتبة تعود عبر تتبُّع ماضى أبطالها إلى لحظات زمانية أبعد، يطوقها سياق اجتماعى وسياسى مقبض.

وتستخدم الكاتبة تقنيات عديدة فى نسخ خيوط روايتها، فهناك حكاية أساسية، هى العمود الفقرى للسرد، تتناثر على جنبيها حكايات صغيرة، تتوالد وتتناسل، لكنها لا تشذ عن الحدث الأصلى، ولا تشكل عبئاً عليه أو حمولات زائدة فوقه، إنما تعمّق مجراه وتعزّز مساره، وسط مجاراة لقانون «تداعى المعانى» والتنقل الحر عبر الأزمنة، والتبادل بين الشاعرية والتقريرية، لنجد أنفسنا فى النهاية أمام عمل روائى مميز، يضاف إلى رواية سهير المصادفة اللافتة «لهو الأبالسة».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«رحلة الضباع» 22 «رحلة الضباع» 22



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مميزات كثيرة لسيراميك الأرضيات في المنزل المعاصر

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بوجاتي تشيرون الخارقة في مواجهة مع مكوك فضاء

GMT 05:50 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

تسلا تنشر صور للشاحنة سايبرتراك باختبار الشتاء

GMT 13:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي عضو لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان الجونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon