توقيت القاهرة المحلي 10:37:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أدب «منير عتيبة»

  مصر اليوم -

أدب «منير عتيبة»

عمار علي حسن

يبدع منير عتيبة فى صمت، مخلصاً للكتابة إلى حد بعيد وعميق، فيتعب حتى يلتقط فكرة مبهرة من قلب التاريخ، أو حكاية موجعة من زحام الواقع، ثم يصيغها سرداً بديعاً، لا تملك وأنت تطالع سطوره العامرة بالصور والشعر والمعانى، غير أن تقول: هكذا يكون الأدب.

لكن «عتيبة» لا يكتفى بالكتابة، بل هو واحد من صُناع الحركة الأدبية فى مصر حالياً، عبر إدارته لـ«مختبر السرديات» بمكتبة الإسكندرية، الذى يعقد كل أسبوع ندوة حول عمل أدبى، قصة أو رواية أو مسرحية أو ديوان شعر أو كتاب، ويستقطب كُتاباً ونقاداً وباحثين كثيرين، لا تطرح أعمالهم للنقاش هكذا سريعاً ولماماً كما يحدث فى أماكن أخرى، إنما يحرص «عتيبة» على أن يكون الحديث من واقع دراسات نقدية، تجعل المناقشة أبقى أثراً، وتفيد الكاتب والناقد والباحث ومحب الأدب، ولهذا فتح آفاقاً مختبرة على رحاب جامعة الإسكندرية الغنية بأكاديميين بارعين فى النقد والتذوق الأدبى، من مختلف الأجيال والمدارس.

ولهذا حين يشار إلى «عتيبة»، لا يجب أن نكتفى بما يكتبه، ويخرجه لنا من روايات ومجموعات قصصية ومقالات نقدية وتأملات وخواطر حول الحال والمآل، بل يجب أن نثمّن ما يتحرك به وفيه، وهذا لا يقل شأناً عن الكتابة، فالساحة زاخرة بكتاب من مختلف الألوان، لكنها تفتقر إلى حركيين يأخذون على عاتقهم تنشيط الواقع الثقافى، ويعملون بعزم لا يلين، من أجل أن يقدموا للحياة الأدبية أقلاماً جديدة، ويفتحوا النوافذ بين الأجيال، فتعم الفائدة، ويرحل البوار.

لكن الانشغال بالحركة لم يعطل «عتيبة» عن التفكير فى الإبداع، فراحت تتوالى أعماله، وآخرها روايتا «بطل القفاس، ومجيتوس» اللتان غاصتا فى التاريخ وعاد بهما، دُرتين بهيتين، ترسمان معالم طريق أديب موهوب متمكن.

تجسد «بطل القفاس» حياة شامل بن ذكاو، وهو من أئمة الشيشان وداغستان، تتلمذ على يد العلامة سعيد الهركانى، ثم انخرط مريداً فى الطريقة النقشبندية، التى حافظت على روح الإسلام عفية بالقوقاز. وتتابع الرواية كفاح الإمام «شامل» ضد الروس على مدار ربع قرن تقريباً، ثم وقوعه أسيراً فى يد القيصر إسكندر الثانى، ثم الإفراج عنه لتوافيه المنية عام 1871 فى المدينة المنورة. فى الرواية هناك جهد كبير مبذول فى تحقيق الوقائع، وتدقيق الحوادث، ورسم ملامح البيئة الاجتماعية والجغرافية، وقد عاد «عتيبة» إلى مراجع عديدة حتى يتمكن من إبداع هذا العمل المهم.

واتبع الطريقة ذاتها فى روايته «موجيتوس» التى تعود بنا إلى بكائية الأندلس فى زمن عبدالرحمن الناصر، لتسيح منها فى أرض فرنسا وسويسرا وإيطاليا، حين تتملك روح المغامرة عشرين رجلاً فقط فيقررون غزو صقلية، ويتمكنون من هذا، ويغنمون الكثير، لكن البحر يقذف بسفينتهم إلى شاطئ غريب، فينخرطون فى علاقات إنسانية مع أهل البلاد التى يتوقفون عندها، تتعمق بغزوات متوالية تخضع لهم فيها مدن وقرى على ممرات جبال الألب. يلتقط هنا «عتيبة» حكاية ضائعة فى أضابير التاريخ، ثم ينفخ فيها من روحه الإبداعية وخياله الخصب، مستعيناً بما قرأه عن هذا الزمن، لينسج خيوط هذا العمل اللافت، بلغة شاعرية، وعبر أصوات متعددة، وعوالم متزاحمة، وشخوص متنوعين، وأماكن متفرقة، وأفكار متلاحقة ومترابطة، وقدرة ملموسة إلى الإدهاش.

ولعتيبة أعمال أخرى منها مجموعات قصصية هى: «بقعة على دم شجرة»، و«حاوى عروس»، و«يا فراخ العالم اتحدوا»، و«حكايات البياتى»، و«الأمير يطارده الموت»، و«مرج الكحل»، و«كسر الحزن» وله رواية أخرى غير الروايتين اللتين سبق تفصيلهما هى «حكايات آل الغنيمى»، علاوة على دراسة بعنوان «الإسكندرية مهد السينما المصرية» وكتابين فى أدب الأطفال. وقد حازت أعماله القصصية عدداً من الجوائز الأدبية المهمة.

من ينصت إلى «عتيبة» يوقن أن لديه مخزوناً أدبياً ثرياً وعميقاً، سيتوالى فى قابل الأيام قصصاً وروايات وكتابة للأطفال تضيف إلى ما أبدعه، وهو ليس بالقليل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أدب «منير عتيبة» أدب «منير عتيبة»



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon