توقيت القاهرة المحلي 04:58:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأدب والاقتصاد.. متى يلتقيان؟ (3 - 3)

  مصر اليوم -

الأدب والاقتصاد متى يلتقيان 3  3

عمار علي حسن

يرى رائد الواقعية، جون فريفيل، أنه فى المجتمع المقسّم إلى طبقات، يعكس الأدب، بشكل مباشر أحياناً وغير مباشر أحياناً أخرى، أوضاع طبقة معينة وآراءها السياسية، ألا وهى الطبقة التى تُسيطر على وسائل الإنتاج المادى، وذلك من خلال سعيها للسيطرة على وسائل الإنتاج الفكرى أيضاً. ويتسق موقف «فريفيل» هنا مع النظرة الماركسية للمعرفة، على أنها تابعة للأوضاع المادية.

لكن لا يجب التعامل مع الرأى السابق على أنه قطعى، فالأدب، وكما سبق الذكر، قد يمثل إحدى أدوات الطبقات المسحوقة فى مواجهة الطبقة المهيمنة مادياً، والمحكومين فى مواجهة الحكام، وذلك حين يركز على المفارقة الناجمة عن الوضع الاجتماعى المختل، فاضحاً بطر الأثرياء، وموضحاً عوز المحتاجين. ومعنى هذا أن الأدب لا يمكن أن يكون تعبيراً عن طبقة واحدة، فى مواجهة الطبقات الأخرى. وقد يعود ذلك إلى أن الأدباء أنفسهم، وكما تم توضيحه سلفاً، لا يُشكلون طبقة اجتماعية واحدة، بل ينتسبون إلى مختلف الطبقات والفئات أو الشرائح الاجتماعية. فلكل طبقة مثقفوها، الذين ينتمون إليها اجتماعياً ويعبّرون عنها فكرياً.

فضلاً عن ذلك، ووفق فيصل دراج، فإن الطبقات ذاتها ليست جواهر ثابتة، ولا وحدات متجانسة، إنما هى فى حالة صيرورة، تتكون وتتقدّم، ويمكن أن تتراجع وتتهدّم، حاملة تناقضاتها فى داخلها.. فيمكن أن توجد الطبقة سياسياً واقتصادياً، دون أن تُحقق وجودها الثقافى، ويمكن، فى شروط معينة، أن يسبق الوجود الثقافى الوجود السياسى، أو يفيض العقل السياسى للطبقة عن حدودها الاقتصادية.

وأخيراً، فإن الاقتصاد قد أثر أيضاً فى ظهور بعض مدارس النقد الأدبى، أو فى تفسير وجودها. فعلى سبيل المثال فإن مدرسة «الالتزام الاجتماعى» لم يشتد ساعدها، فى الولايات المتحدة الأمريكية، إلا مع زيادة حدة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الكساد العالمى الكبير، الذى حدث عام 1929.

فمع بروز بعض الشرائح الاجتماعية الفقيرة، وجد الأدباء أنفسهم أمام التزام أخلاقى بضرورة الدفاع عن الفقراء، ومواجهة استغلال الطبقة الرأسمالية. كما أن ظهور الواقعية، يتواكب مع نهوض البرجوازية الأوروبية، منذ أواخر القرن السابع عشر، وتصديها لأيديولوجية الإقطاع والكنيسة. وفى المقابل فإن بعض الماركسيين يرون أن تشجيع تيار «الفن للفن» فى شتى أشكاله، سواء كانت تجريدية، أو رمزية، أو سريالية، استهدف خدمة الأغراض الطبقية للمجتمع البرجوازى.

وفى هذا السياق، يمكن النظر إلى موجة ما بعد «الحداثة» الأوروبية، التى اجتاحت الأدب فى أصقاع كثيرة من العالم، على أنها، فى جزء منها، تُعد رد فعل على سعى الطبقات القادرة اقتصادياً، للسيطرة على الثقافة. فأمام هذا الوضع لجأ الأدباء إلى النصوص الغامضة، وابتعدوا عن المباشرة، حتى تعجز هذه الطبقات عن فهم إنتاجهم بسهولة، ومن ثم تنظر إليهم بعين الإكبار. وفى الوقت ذاته فإن ما بعد الحداثة قد يكون رد فعل لحالة التشظى والاستلاب، التى انتابت الإنسان بفعل سيطرة المادة والتقنية على مختلف جوانب الحياة فى الغرب، ألقت بظلالها على إنتاج بعض الأدباء والفنانين، فى نصوصهم، التى قد تُعبّر عن الشعور بالعبث، أو اليأس، من تغيير الواقع، والانسحاق أمام طغيان المادة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأدب والاقتصاد متى يلتقيان 3  3 الأدب والاقتصاد متى يلتقيان 3  3



GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مميزات كثيرة لسيراميك الأرضيات في المنزل المعاصر

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بوجاتي تشيرون الخارقة في مواجهة مع مكوك فضاء

GMT 05:50 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

تسلا تنشر صور للشاحنة سايبرتراك باختبار الشتاء

GMT 13:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي عضو لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان الجونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon