توقيت القاهرة المحلي 07:54:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإعلام والمواطنة

  مصر اليوم -

الإعلام والمواطنة

عمار علي حسن

للإعلام دور بالغ الأهمية فى بناء الإنسان عبر تعزيز انتمائه الوطنى وتثقيفه وتعريفه بحقوقه وواجباته فى الميادين كافة، وكذلك فى بناء المجتمع من خلال الارتقاء بالرؤى والتصورات التى تساعد الناس على أن يصبحوا قيمة مضافة فى عملية التنمية وانصهار الجماعة الوطنية. ويمثل الإعلام المنبر الجماهيرى الأضخم للتعبير عن آراء المواطن وهمومه وعرض قضاياه وشكاواه، بل إن وسائل الإعلام الحديثة، فى ضوء حرية تدفق المعلومات وعصر السماوات المفتوحة، باتت هى أبرز الأدوات لانتقال الثقافات وتبادل الخبرات بين مواطنى مختلف الدول فى شتى بقاع المعمورة. وعلى المستوى المحلى باتت وسائل الإعلام فى بعض الدول تؤدى دوراً يفوق دور الأحزاب السياسية وجماعات المصالح، وبالتالى يعول عليها فى تعزيز المواطنة.

ويقوم مفهوم المواطنة، الذى يراد للإعلام تعزيزها، على عدة مبادئ فى مقدمتها تساوى الناس فى الحقوق والواجبات بغض النظر عن العرق أو الدين أو اللهجة أو النوع أو الوضع الطبقى. وتبدأ هذه العملية بتساوى الناس أمام القانون، فى «مواطنة مدنية» يحميها القضاء، بما يعطى الفرد حصانة ضد الاعتقال التعسفى، ويعطيه الحق فى حرية التعبير عن الرأى، والحق فى الملكية. وتأتى بعدها «مواطنية سياسية» تقوم على أكتاف المؤسسات التمثيلية (البرلمانية)، التى يحصل الفرد من خلالها على حق الانتخاب والترشح. ثم تأتى «المواطنة الاجتماعية» التى تقوم على توفير الرفاه الاجتماعى والاقتصادى للفرد، بما يؤمّن له حياة كريمة، تلبى فيها حاجته إلى الغذاء والإيواء والكساء والدواء والترفيه، ويجد الخدمات التى يحتاجها من تعليم وصحة... إلخ. ويقابل هذه الحقوق أداء الفرد ما عليه من واجبات، ومنها طاعة القوانين، ودفع الضرائب، وأداء الخدمة العسكرية أو العامة، أو الاشتراك فى الدفاع عن الوطن.

وهناك من يميز بين أربع صور حديثة للمواطنة، الأولى هى الصورة «الجمعية»، حيث تدل المواطنة ضمناً على المشاركة والخدمة الاجتماعية من أجل المنفعة العامة، مستندة إلى المرتكزات الأساسية للجماعة، ومنها الثقافة والقيم الأخلاقية. والثانية هى «الصيغة الجمهورية المدنية» وتنصب فيها المواطنة على المشاركة السياسية، إذ لا تشير المواطنة هنا إلى نظام أخلاقى أساسى، أو إلى تجمع أصلى، ولكنها تشير إلى فكرة مساهمة المواطنين فى صنع القرار، وإضفاء القيمة على كل من الحياة العامة والجدل العام. والثالثة هى «الليبرالية الجديدة» أو المفهوم التحررى للمواطنة، والذى ينظر إليها بوصفها وضعاً قانونياً ينحسر فيه المجال السياسى إلى أقل حد ممكن، من أجل منح الفرد أكبر قدر ممكن من الحرية. وفى هذه الحال يصبح المواطنون مبدئياً مستهلكين عقلاء للبضائع العامة، وتبقى المصلحة الشخصية هى الدافع الرئيسى المحرك للمواطنين.

أما الرابعة فهى الصيغة «الليبرالية الاجتماعية للمواطنة» والتى صارت مسيطرة فى معظم الديمقراطيات الغربية منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. وتركز هذه الصيغة على حقوق الفرد مثل الحق فى إبداء الرأى، والتصويت، والضمان الاجتماعى، مقابل الالتزام بدفع الضرائب، وبالخدمة فى الجيش، والالتزام بالتقدم إلى الوظائف، وقبولها فى حال توافرها، بدلاً من العيش عالة على معونة الدولة. وطبقاً لهذه الصيغة تكون المواطنة شاملة وقائمة على المساواة فى الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية، فى المجال العام، وحصول الفرد على أكبر قدر من التحرر لممارسة حقوقه، وتطوير شخصيته. ومن هنا يسعى الأفراد إلى وضع حد لتدخل الدولة فى حياتهم.

من أسف فإن إعلامنا لا يقدم كل ما هو مطلوب منه فى سبيل تعزيز مبادئ المواطنة وشروطها، فهو فى أغلب الأحيان منحاز لرؤى السلطة ومواقفها وتبريراتها للسلوكيات التى تنال من حقوق المواطنين، وذلك فى ظل غياب واضح لسياسة إعلامية متحررة من القيود السياسية والبيروقراطية، تراعى التحولات التى يشهدها الناس محلياً وإقليمياً ودولياً وتؤمّن حرية فى التعبير وتدفق المعلومات وانسياب الأفكار بعد زوال الكثير من العقبات والصعاب، وتطويع معطيات العلم لخدمة الإعلام الحر.

وحتى يمكن أن ينتصر الإعلام للمواطنة فلا بد أن يشارك المجتمع كله بمختلف طبقاته وفئاته وشرائحه وتوجهات أفراده ومشاربهم فى صياغة السياسة الإعلامية. فللإعلام بمختلف وسائله أهمية بالغة فى تعزيز وحماية الهوية الوطنية. والإعلام ليس فقط أغنية أو مسرحية للوطن، بل هو معالجة فكرية أيضاً وحضور وتفاعل ومناقشة صريحة وجريئة لمشكلات البلاد، ومن بينها مشكلة المواطنة التى باتت فى حاجة إلى حل ناجع وسريع، لمقاومة استراتيجيات ترمى إلى النيل من وحدة بلادنا، وتكاملها الوطنى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإعلام والمواطنة الإعلام والمواطنة



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon