توقيت القاهرة المحلي 04:53:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرومانسية السياسية (1 - 3)

  مصر اليوم -

الرومانسية السياسية 1  3

عمار علي حسن

عمار علي حسنالرومانسية السياسية (1 - 3)الأحد 29-11-2015 | PM 10:25

1
قاد البحث عن المثل العليا إلى تبنِّى نوع من «الرومانسية السياسية»، وهى نوع من التفكير والتدبير السياسى يستلزم خيالاً خصباً، بقدر احتياجه إلى عاطفة جياشة نبيلة. ولا يقتصر وجود هذا التفكير على اتجاه سياسى أو أيديولوجيا واحدة، ففى إيطاليا كان الرومانسيون فى أغلب الأحيان من الليبراليين، فى حين أن الرومانسية ارتبطت فى ألمانيا، بوجه عام، بالتيار المحافظ، بينما سلك الرومانسيون الإنجليز سبلاً متناقضة، فهناك من دافع عن الموروث، ويوجد من كان يحرض على الحرب فى سبيل الدفاع عما يراها الحداثة والتنوير والاستقلال.

والرومانسية السياسية، فضلاً عن تجليها الأكبر فى «المدينة الفاضلة»، تتصف بعدة سمات، الأولى: المعنى المسرحى الذى يقوم على البطولة والتضحية والعظمة والدم المسفوح المرتبط بالثورات الرامية إلى إنهاء بؤس الأوضاع القائمة. والثانية: الشفقة على البسطاء والانشغال بهمومهم الاجتماعية والنفسية، ولذا تتجلى المطالبة الدائمة بعدالة توزيع الثروات، وتطبيب العوز، ومقاومة الفقر، والشفقة على الشعوب المغلوبة والانحياز إليها إن كانت تكافح فى سبيل التحرر من الاستعمار أو تقاوم الطغيان أو تواجه كوارث كبرى. والثالثة: وجود تصور عاطفى للسياسة بما يجعل النظرة إليها تختلف عن تلك التى تتعامل معها على أنها «فن الممكن» لتصبح دعوة إلى التمسك بالمثل العليا، وتهتم بالخطاب المفعم بالبلاغة، لأنها تؤمن بقوة الكلمة. والرابعة: هى النظرة الكلية للأمور، بما يؤدى إلى عدم الاكتفاء بجدولة المشكلات إنما طرحها بكل ضخامتها، ومدها عبر أرجاء الكون والتاريخ.

ولعل إريك فروم كان أيضاً يبحث عن المثل العليا حين كان ينشد «المجتمع السليم»، فى كتاب يحمل هذا العنوان، ناقش فيه مشكلة الإنسان الحديث، الذى يعانى فى مجتمع يضع كل همه فى الإنتاج الاقتصادى، ولا يعبأ بتنمية العلاقات الإنسانية الصحيحة بين أفراده، ولذا يسقط فى خلل نفسى وعقلى فى ظل غياب الاستجابة للحاجة إلى الاتصال والترابط الحميم والتفرد والتعقل، ومع الخضوع لتحكم التقنية والتنظيم اللذين جعلا الإنسان عبداً لهما.

ويبنى «فروم» حُجته هنا على فشل النظامين الرأسمالى والاشتراكى فى رد المجتمع إلى صوابه، والفرد إلى طمأنينته، ثم يبشرنا بأن حل الأزمة الإنسانية التى نعيشها تكمن فى «اشتراكية اجتماعية» جديدة تكفل للمجتمع سلامة العقل، وتحمى الفرد من أن يكون مطيّة لتحقيق أغراض غيره من الناس، وتدفعه ليكون منتجاً ومسئولاً، عبر الانشغال بالجوانب الإنسانية، وإخضاع النواحى الاقتصادية والسياسية والثقافية لغاية واحدة وهى «تنمية الإنسان».

ويقول «فروم»: «إننا فى الوقت الحاضر نقدس أوثاناً كثيرة ونعبدها، ولو آمنا بالله لحطمنا هذه الأصنام. فنحن نؤله الدولة، ونؤله فى الدول الديكتاتورية القوة، ونؤله الآلة، ونؤله فكرة النجاح فى الحياة. وفى سبيل ذلك ينفصل نشاطنا عن احتياجات نفوسنا، ونضعف فى الإنسان صفاته الروحانية، ومهما يكن من أمر، فواجب الإنسان الحر أن يستنكر عبادة هذه الأوثان، سواء كان من المؤمنين بوحدانية الله أو من دعاة دين جديد، وواجبنا أن نهتم بالجوهر دون العرض، وباللباب دون القشور، وبالخبرة دون اللفظ، وبالإنسان دون النظم، وبهذا الإجماع على استنكار عبادة الأوثان الجديدة تتألف القلوب حول عقيدة مشتركة أساسها المحبة والتواضع، والإيمان بالعالمية، والتعاليم الإنسانية فى الديانات العظمى فى الشرق والغرب، والنظر إلى الأمور بعين العقل، والاهتمام بالحياة نفسها لا بالمعتقدات والمذاهب. وبهذا الاتجاه الجديد تنشأ طقوس جديدة، وتعبيرات فنية جديدة، تؤدى إلى احترام الحياة، وتماسك الناس».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرومانسية السياسية 1  3 الرومانسية السياسية 1  3



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 17:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين
  مصر اليوم - الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon