توقيت القاهرة المحلي 08:21:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بؤس الإدارة والعميان الستة

  مصر اليوم -

بؤس الإدارة والعميان الستة

عمار علي حسن

حين أنظر فى حالنا السياسى والإدارى تحضرنى حكاية العميان الستة والفيل، والتى تقول إن هؤلاء كانوا قد سمعوا عن الفيل وأرادوا أن يعرفوه عن كثب، فطلبوا من رجل أن يوقفه لهم، وراحوا يتحسسونه. وحين وضع الأول يده على جسم الفيل صاح: «إنه يشبه الحائط تماماً»، فلما وضع الثانى يده على ناب الفيل وقال: «إنه لا يشبه الحائط مطلقاً، إنه مستدير وأملس وحاد، إنه يشبه الرمح»، أما الثالث فوضع يده على أنف الفيل (خرطومه) وقال لصاحبيه: «كلاكما مخطئ، إنه يشبه الثعبان»، أما الرجل الرابع فقد احتضن بذراعيه رجل الفيل وصاح فى أصحابه: «حقاً إنكم عميان، إن الفيل يشبه جذع الشجرة»، وجاء دور الرجل الخامس وحدث أن لمست يده أذن الفيل الضخمة فقال لهم إن الفيل لا يشبه أياً مما وصفتم، إنه يشبه مروحة كبيرة، أما الرجل السادس والأخير فكان ما زال يبحث عن جسم الفيل ليتحسسه، وأخيراً وقعت يده على ذيل الفيل، وقال لأصحابه: «إنكم حقاً لحمقى، إنكم لستم فقط عميان بل أيضاً فقدتم الإحساس، إن الفيل لا يشبه الحائط ولا يشبه الرمح ولا يشبه الشجرة أو الثعبان بل إنه يشبه تماماً الحبل الطويل الضخم، وعندما غادر الفيل كان كل من الرجال الستة مقتنعاً برأيه الذى كونه عن حجم وشكل الفيل، لقد صدق كل منهم فى وصفه للفيل، فكلٌ وصَفَ ما جرّب، ولكن فى الواقع أن كلاً منهم فشل فى معرفة الصورة الكاملة للفيل، لأن كلاً منهم استطاع أن يتعرف على جزء من الصورة، ولو أن كلاً منهم تخلى عن تعصبه لرأيه وعملوا معاً كفريق واحد لاستطاعوا أن يضعوا أجزاء الصورة بجوار بعضها البعض ومن ثم يمكنهم جميعاً أن يروا الصورة الكاملة، وما حدث لهؤلاء الرجال يحدث لغيرهم من المبصرين، فعلينا أن نعلم أن لكل منا دوره فى الحياة، كل واحد يرى جزءاً من الصورة بطريقته الخاصة، ولكى نرى الصورة كاملة، علينا أن نعمل سوياً بروح الفريق لنرى الصورة التى لا يمكن أن نراها لو عمل كل منا منفرداً.

لقد بدأ العلماء والممارسون على حد سواء، يدركون منذ مطلع ثلاثينات القرن العشرين، أن القرار الذى تصنعه مجموعات يمكن أن يكون أكثر دقة وعمقاً واتساعاً، لأنها تأتى بما لا يمكن لفرد وحده أن يصل إليه، علاوة على أن الأفراد يكونون أشد التزاماً بتنفيذ القرارات التى اشتركوا فى اتخاذها.

وهناك عدة مزايا لهذا الأسلوب فى التفكير والتدبير، منها أنه يتيح تدفق المعلومات والخبرات من قرائح عدة، فتتسم بالغزارة، قياساً إلى ما يمكن أن يقوم به فرد واحد، ثم يسمح بتعدد وجهات النظر، وإكسابها موضوعية، مبتعداً بها عن الذاتية التى يمكن أن تعيب القرار المنفرد، وفى الوقت نفسه تشبع الحاجة إلى تقدير الذات لدى المجتمعين، فتعزز انتماءهم.

لكن هذا يشترط توافر بيانات ومعلومات كافية أمام أفراد المجموعة، وأن تتوافر لهم فرصة البحث فى اتجاهات متعددة، فنية وإدارية وسياسية واجتماعية، وعدم الاستسلام للإجراءات البيروقراطية الصارمة أو الروتين المعتاد، وسيادة روح التعاون بين المديرين، وعدم سيطرة أحد الأفراد على النقاش وفرض وجهة نظره على الآخرين.

فتوافر هذه الشروط سيسهم إلى حد كبير فى شحذ الخيال، لأنه سيكون حاصل تفاعل قدرات تخيلية لمجموعة، من الممكن أن يكون كل منهم قد أتيحت له فى المسافة الزمنية بين تحديد موضوع المناقشة وبين إجرائها بالفعل فرصة جيدة كى يفكر فى جوانبه كافة، وهو ما لا يتوافر لفرد واحد ينفرد بالتفكير واتخاذ القرار، ويتوهم أنه فى غنى عن العالمين، فمثل هذا كأحد هؤلاء العميان الستة، الذى يظن كل منهم أنه قد عرف الحقيقة وهو بعيد عنها تماماً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بؤس الإدارة والعميان الستة بؤس الإدارة والعميان الستة



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon