عمار علي حسن
من الذائع والمألوف أن يكتب الأفراد سيرهم الذاتية، لا سيما البارزين من العلماء والمفكرين والخبراء والباحثين والأدباء، وهى مسألة مهمة نتيجة تدنى «القدوة» فى حياتنا العربية المعاصرة، فبعد أن كان قطاع عريض من المجتمع يعتبر المثقف البارز والروائى أو الشاعر الموهوب ورجل الدين المتبحر فى العلم وعالم الطبيعيات المكلل باختراعاته المفيدة هم المثل الأعلى لأى شخص تبدلت الصورة، حين ضعفت مكانة هؤلاء وتأثيرهم فى مجتمعاتهم بما دعا كثيرين إلى الحديث عن موت المثقف أو نهايته، وألقت وسائل الإعلام فى حياة شبابنا «قدوات» جديدة، قد تكون للاعب كرة قدم أو مطرب أو ممثل. وهذه المسألة ربما أثّرت مثلاً على فن كتابة السير الذاتية من زاويتين:
الأولى: أن بعض كتّاب هذه السير، لأنهم يشعرون بضآلتهم الاجتماعية وضعفهم أمام السلطة، ركزوا على تجاربهم الذاتية البحتة.
والثانية: أن إحساس هؤلاء بأنهم لم يعودوا يمثلون الكثير بالنسبة للناس ربما أعطاهم حرية فى أن يبوحوا بأسرار تجد الشخصيات العامة والمرموقة فيها محرمات لا يجب الاقتراب منها لأنها تشوه صورهم لدى من يُعجبون بهم أو يقتفون أثرهم. وبطريقة غير مباشرة، ينعكس هذا الوضع بدرجات متفاوتة على الكتابة القصصية والروائية والشعرية.
وعلى غزارة ما كُتب من سير ذاتية عن الأفراد فى حياتنا المعاصرة، هناك ندرة فى الكتابات عن سير المؤسسات والهيئات والتنظيمات. وإن وُجد فى هذا الاتجاه شىء فهو يركز على المؤسسات الحركية، كالأحزاب السياسية، والحركات الاجتماعية، والتنظيمات الأيديولوجية. فنرى تأريخاً واضحاً لحزبى «الوفد» فى مصر، و«البعث» فى العراق وسوريا مثلاً، ونرى كتابات عن تنظيم «حدتو» الشيوعى و«جماعة الإخوان» وحركة «مصر الفتاة» أو «كفاية» وبعض الجمعيات السياسية فى الخليج العربى. وقد يحلو لبعض المديرين الناجحين أن يدفعوا فى اتجاه كتابة سير ذاتية للشركات العملاقة التى يجلسون على رأسها.
ودرج كثيرون من الكتّاب والأدباء والسياسيين فى العالم العربى على كتابة سيرهم الذاتية، وهو فن راج فى السنوات الأخيرة، وانطوى على عيوب كثيرة. إذ يبدو أن كتّاب هذه السير ربما نسوا أو تناسوا أن الناس لا يعرفونهم ويقدّرونهم لأشخاصهم وإنما لإنجازهم فى الحياة والاستفادة من تجاربهم والتعلم من خبرتهم فى مواجهة المشكلات المشابهة التى تعترض طريقهم. ومن ثم فما يهم الجميع هو التعرف على البيئة الاجتماعية والنفسية المحيطة بالأعمال المنجزة ربما أكثر من التطلع إلى معرفة الأحوال الذاتية لصاحبها، لأنها لا ترتبط بعلاقات فضائحية قد يرى الجمهور أنها موجودة لدى فئات من أصحاب الوجوه الجديدة مثل الممثلين والمطربين والرياضيين، ومن ثم يتطلعون إليها بشغف، ويسعى الإعلام وراءها بدأب.
(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى).