توقيت القاهرة المحلي 17:00:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حوار صامت (3)

  مصر اليوم -

حوار صامت 3

مصطفى الفقي

"كلام ساكت" تسمية اخترعها السودانيون، وهى عبارة ذات معنى مزدوج يراها قلة منهم أنها تشير إلى الكلام الفارغ الذى لا جدوى منه، بينما تراها الأكثرية تعبيرًا عن المعانى العميقة وراء الكلمات المرسلة، ونحن نميل إلى هذا التفسير الذى جادت به العبقرية السودانية وجعلته أقرب إلى مفهوم «الحوار الصامت» الذى اتخذناه عنواناً لهذه السلسلة من المقالات، والشىء بالشىء يذكر، لذلك فسوف نخصص السطور القادمة للحديث عن لقاء مع معالى وزير خارجية «السودان» الحالى، الأستاذ الجامعى الدكتور «إبراهيم غندور»، حيث تلقيت دعوة كريمة من السفير «عبدالمحمود عبدالحليم» للحضور إلى «دار السودان» بحى «المعادى»، حيث يقيم السفير السودانى، وقد احتشد المدعوون من خلال مجموعة منتقاة من الشخصيات العامة وكبار المثقفين، يتصدرهم الدكتور «عصام شرف»، رئيس الوزراء الأسبق، والسيد «عمرو موسى»، وزير الخارجية الأسبق، وأمين عام جامعة الدول العربية السابق، والسيد «نبيل فهمى»، وزير الخارجية السابق، والأستاذ «مكرم محمد أحمد»، نقيب الصحفيين الأسبق، والأستاذ «يحيى قلاش»، النقيب الحالى، كما كان من بين المدعوين صديق شخصى للوزير السودانى، وهو الدكتور «سيد البدوى»، رئيس «حزب الوفد»، مع صديق آخر هو الدكتور «ماجد الشربينى»، المحامى، ولفيف من رجال الصحافة، يتقدمهم رئيس تحرير «صحيفة الشروق»، وبعض كتاب الأعمدة والمهتمين بالشأن السودانى، وفى مقدمتهم الكاتبة الصحفية «أسماء الحسينى» من «جريدة الأهرام»، كما لفتت أنظار الجميع بمداخلتها الواعية الدكتورة «أمانى الطويل»، الخبيرة المعروفة بالشؤون الأفريقية، وقد حضر اللقاء أيضاً عدد من رموز العمل السياسى والدبلوماسى من «السودان» الشقيق، ولابد أن أعترف بأن شخصية الوزير السودانى قد أزاحت عن صدرى هموماً كبيرة، فالرجل وحدوى النزعة، أفريقى التوجه، عروبى المشاعر، سودانى بهوى مصرى، يذكرنا بالرموز التاريخية فى عصر «وحدة وادى النيل»، وعندما جاء دورى فى الحديث كنت قد ابتلعت قرصاً للصراحة لمواجهة صداع الهواجس التى تعتادنى حيناً بعد حين حول العلاقات المصرية- السودانية، وشجعتنى شخصية الوزير المتفتحة والمنفتحة لكى أقول ما أريد بلا غطاء دبلوماسى أو عبارات ملتوية كما تفرض علينا الظروف أحياناً، لقد عبرت للوزير السودانى عن المرارة التى يشعر بها كثير من المصريين من إحساسهم بانحياز الموقف السودانى لسياسة الأمر الواقع الإثيوبية والمتعنتة فى موضوع «سد النهضة»، رغم أن الخطر المحتمل على «السودان» من هذا «السد» لن يقل عن الخطر المحدق بـ«مصر»، وأثرت معه موضوع «حلايب وشلاتين»، وقلت له: طالما العلاقات طيبة فنحن «أخوة وحبايب»، وعندما يتعكر صفوها قليلاً نقول «شلاتين وحلايب»!. وأثرت معه موضوع المبالغة والتهويل حول معاقبة بعض السودانيين أسوة بغيرهم من المصريين بسبب بعض الجرائم أو المخالفات، وكيف يحتشد الرأى العام السودانى ويرتفع صوت الإعلام فى «الخرطوم» بالتهويل بل والتحريض على «مصر»، ولقد كان الرجل صريحاً وواضحاً فقد قال إن موقف «السودان» هو ألا تضار «مصر» من جراء بناء هذا «السد الإثيوبى»، لأن أى ضرر يلحق بـ«مصر» يلحق مباشرة بـ«السودان»، فـ«مصر القوية» دعم لـ«السودان»، كما أن «السودان القوى» دعم لـ«مصر»، وأضاف أن «المباحثات السداسية» قد دخلت مرحلة من الجدية والصراحة والتطرق إلى التفاصيل بشكل يوحى باحتمال التوصل إلى اتفاق تقبله الأطراف الثلاثة، وقال إن البعض فى «القاهرة» يظن أن «السودان» وسيط فى هذا الشأن، بينما هو طرف مباشر شأن «إثيوبيا» و«مصر»، أما بالنسبة لـ«حلايب وشلاتين» فقد قال إننا ناقشنا من قبل، وفى مناسبات مختلفة وبصراحة كاملة، أبعاد هذه القضية وتوصلنا إلى إمكانية استخدامها كمنطقة تكامل إنتاجى بين البلدين، وأكد أنها تثور فى لحظات فتور العلاقات بين البلدين التوأم، أما بالنسبة للمواطنين السودانيين فى «مصر»، وهم عدة ملايين، فإن هناك أصواتاً عاقلة فى «السودان الشقيق» رفضت تهويل هذا الأمر، حتى إن 25 برلمانياً سودانياً من بين 27 دافعوا عن «مصر»، وأضاف ولكن مصرع 20 سودانياً وهم يتسللون إلى «إسرائيل» كان خبراً حزيناً. وقلت له على الفور إن السلطات المصرية لم تقتلهم كسودانيين، ولكن قتلتهم كمتسللين عبر الحدود المصرية إلى «إسرائيل»، وقد تحدث الوزير عن المعابر الجديدة على الحدود المصرية- السودانية وأساليب تنمية التجارة وتنشيط حركة النقل بين «شمال الوادى» و«جنوبه»، لقد جاءت إجابات الوزير فى معظم الأسئلة التى وجهت إليه برداً وسلاماً على الحاضرين، ولكننى قلت له إننا تعودنا بشطرى «الوادى» أن نتحدث بكلمات طيبة وعبارات معسولة وشعارات مكررة، بينما يكون الواقع غير ذلك، فقال الوزير السودانى إننا لذلك نسعى إلى الصراحة الكاملة والمواقف الواضحة وطرق كل الموضوعات دون استثناء، وقد خرجت من ذلك اللقاء الذى انتهى بعشاء سودانى على مائدة السفير لكى أقرر صراحة أن فصلاً جديداً فى العلاقات المصرية- السودانية يمكن أن يبدأ إذا كانت العناصر القائمة على الأمر هى من ذلك الطراز الذى شهدته، خصوصاً أن وزير الخارجية السودانى قد امتدح نظيره المصرى لصراحته ودخوله فى كل التفاصيل دون حساسيات، وإذا كنا هنا نكتب تحت مظلة «الحوار الصامت» بالمصرى أو «الكلام الساكت» بالسودانى فإننا نتحدث عن العلاقات بين البلدين، بحيث لا يصبح «الحوار صامتاً» ولا «الكلام ساكتاً» لكى نؤكد أهمية العلاقة بين الدولتين لمواجهة التحديات القائمة والظروف التى طرأت على الساحة الأفريقية ودول «حوض النيل»، لذلك فإننى أحلم بعودة شعار «وحدة وادى النيل»، لأن ذلك على ما يبدو سوف يكون مطلوباً بشدة فى ظل المشكلات القادمة والمسائل المعلقة التى تروج لها سياسات أجنبية أقحمت دورها على «النهر الخالد» الذى ظلت تحلم بالاقتراب منه عبر عصور التاريخ الطويل!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوار صامت 3 حوار صامت 3



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 00:01 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر لكل مؤسسات الدولة اللبنانية

GMT 13:42 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أغنى قطة في العالم تمتلك ثروة تفوق ضعف ثروة توم هولاند

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon