توقيت القاهرة المحلي 17:00:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سورى مريض بالسرطان

  مصر اليوم -

سورى مريض بالسرطان

عمار علي حسن

أضنانى صديق سورى، وهو رجل نابه مثقف يعمل أستاذاً جامعياً بالإمارات، حين راح يحدثنى عن أوضاع السوريين بعد أن تحولت ثورتهم من أجل الحرية والكرامة والعدل الاجتماعى إلى حرب أهلية ثم صراع إقليمى ودولى ضارٍ. هو يؤمن بأن الشعب السورى لم يخطئ حين خرج سلمياً ليطالب بالحرية بعد سنين طويلة من الاستبداد والاستعباد والفساد، لكنه ينحى باللائمة على كل من حول المشهد الرائع من الغناء والصدح والهتاف إلى الرصاص والدم والدمار، حتى يجهض كفاح الناس من أجل الخلاص، ويجعل من حلمهم المشروع كابوساً مرعباً.

قص على مسامعى حكايات كثيرة موجعة من وسط النار والخراب والهلاك والفوضى وغياب اليقين وترنح الأمل، ثم أرسل لى هذه الحكاية، التى تشكل جانباً من هذه الأوجاع المريرة، وأنشرها هنا نصاً كما وردتنى، حيث يقول:

«عافى الله سوريا (أم الفقراء) بعد هذه السنوات الخمس العجاف، يبدو أن مصابنا الأليم بما حل فى سوريا من دمار أنسانا الالتفات إلى أحزان غيرنا ومصائبهم، صرنا نألف الموت فلا يحتاج منا خبر مرض أحد الأهل أو الأصدقاء أو وفاته إلا إلى ضغطة على (اللايك) فى فيس بوك، والدعاء له بالشفاء أو الرحمة. الأسبوع الماضى هزتنى قصتان حدثتا مع صديقين عزيزين، الأول استنجد بصديق مصرى ليؤمن له دواء التهاب الكبد لابن أخيه، والصديق المصرى الشهم لم يقصّر وأرسل الدواء إلى الإمارات ليعاد إرساله إلى دمشق.. بعد إلحاح كشف صديقنا عن سعر الدواء (1800 درهم) ولكنه أصر أن هذا الدواء أقل ما يقدمه لطفل سورى فى هذا الظرف الصعب.. وكانت المفاجأة حين أخبرنى صديقى فى سوريا أن تجار الدواء طلبوا منه ما يعادل (8 آلاف درهم) ثمناً للدواء، أى أكثر من أربعة أضعاف سعره.. الصديق الثانى عاد من سوريا منذ أيام بعد زيارة خاطفة ليرى أخته المصابة بالسرطان. تحتاج أخته إلى علبتى دواء، أخبرنى أنه اشترى الأولى من بيروت بستة آلاف دولار، وحين حدثته عن قصة صديقنا الآخر طلب أن أسأل له عن سعرها فى مصر، فوجدنا أنها تباع بأقل من ثلاثة آلاف دولار بقليل.. صديقى الثانى، وهو طبيب، قال لى هذه الأرقام الفلكية بالنسبة لمن يعيش فى سوريا تحت وطأة مآسيها هى جزء مما جناه المواطن السورى من هذا العبث والربيع المشؤوم.. الدواء الذى تحتاجه أختى كان يقدم للمريض مجاناً إن استطاع دخول أى مشفى حكومى يعالج السرطان، وإن لم يستطع اشتراه من صيدلية أدوية الأمراض الخبيثة التى كانت بجوار ملعب العباسيين بأسعار مخفضة جداً نتيجة دعم الدولة له.

قصتان جعلتانى أتذكر الراحل المبدع محمد مستجاب حين تراكمت عليه الديون فى (المشفى الفرنساوى) بمصر فصرخ فى مكالمة لصديقه الدكتور مستجير (تعالَ خدنى من هنا أنا عايز أموت فى وسط عيالى). يومها قال مستجير إن مستجاب كان يصرخ خوفاً من زيادة تراكم ديون المستشفى عليه. مات مستجاب لأنه لم يجد ثمن الدواء.. فكم «مستجاب» فى سوريا الآن!! ويح الفقراء كيف تسول لهم أنفسهم أن يمرضوا؟!!».

هذا جانب واحد من مأساة مركبة مرعبة، لكنه يشكل دليلاً عميقاً وجارحاً على ما يعانيه أهلنا فى سوريا الآن، رفع الله عنهم البأس، وكشف عنهم الغمة، وأنعم عليهم بالحرية والسكينة، وأبقى بلادهم عزيزة موحدة رافعة رأسها بين الأمم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سورى مريض بالسرطان سورى مريض بالسرطان



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 00:01 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر لكل مؤسسات الدولة اللبنانية

GMT 13:42 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أغنى قطة في العالم تمتلك ثروة تفوق ضعف ثروة توم هولاند

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon