عمار علي حسن
تنطلق غداً الجلسة الافتتاحية لـ«مجلس النواب»، وفيها وبها ستُرسم أولى صوره فى أذهان متابعيه، فإما يعلو الذين حازوا عضويته، بمقدمات غير عادلة فى الأغلب الأعم، على الجسور المتهالكة التى أوصلتهم إلى الجلوس تحت القبة، وإما يتزاحمون فى صراع على المواقع والمواضع والمكاسب، غير عابئين بعواقب هذا على البلد، فيسقط بهم الجسر إلى أسفل سافلين.
ربما يدرك هؤلاء أن بداية القطيعة النفسية والعقلية مع حكم الإخوان العابر كانت مع أول انعقاد لبرلمان 2012، وربما لا يدركون، أو أنهم قد أدركوا هذا فى وقتها ثم تبخر كل شىء من أذهانهم، شأن كل الذين لا يريدون أن يتعلموا مما جرى، رغم أن وقائعه لا تزال غضة نضيرة، وفى هذا الطامة الكبرى، لا سيما أن البرلمان الحالى مربوط الصلة بالسلطة التنفيذية سواء فى الطريقة التى أُنتج بها، أو فى إعلان أغلبيته جهاراً نهاراً أنها ستدعم هذه السلطة، التى من الواجب أن يراقبها البرلمان، لا أن يجاريها فى كل ما تفعله، حتى لو كان فيه اعوجاج.
أتذكر جيداً يوم أول جلسة لبرلمان الإخوان والسلفيين، وكيف جبت على عدد مقاهى حى السيدة زينب أنظر فى وجوه الناس وهم يتابعون ما يجرى، وأنصت إلى تعليقاتهم، التى كانت حصيلتها أننى أدركت أن هذا المجلس دق مسماراً متيناً فى نعش الحكم. هذه المرة ستتحدد أيضاً صورة البرلمان فى أذهان وأفهام ومخيلات الناس، أو على الأقل سيتحدد جانب عريض من هذه الصورة، فإما أن تكون ناصعة جلية، تبعث الأمل، وإما أن تكون قاتمة مقبضة تفضى إلى القنوط.
فإذا تركنا الصورة وذهبنا إلى المضمون سنجد هذا البرلمان يواجه تحديات جسيمة، ابتداء مما سيفعله إزاء أكثر من أربعمائة قانون أصدرها الرئيسان عدلى منصور وعبدالفتاح السيسى، وانتهاء بتحدى «سد النهضة» الذى يشكل خطراً جسيماً على مصر إن لم تنته المفاوضات حوله بحفظ حصة بلدنا من المياه، مروراً بقضايا ملحة مثل مكافحة الفساد، والنهوض بالتعليم، ومواجهة الإرهاب، والقضاء على الفقر، والاستجابة للاحتياجات الملحة للمواطنين فى الغذاء والكساء والدواء والإيواء، ناهيك عن الواجبات الأخرى ومنها إقرار برنامج الحكومة، والموافقة على الميزانية العامة للدولة، وتشريع القوانين التى يتطلبها تنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية فى مصر، وإنشاء الكيانات التى نص الدستور عليها، وفى مطلعها تلك التى ستنظم الإعلام.
وسيكون على البرلمان أن يظهر أمام الناس قدرة على إدارة الاختلافات والخلافات التى من المتوقع أن تطرأ حول المسائل التفصيلية والجزئية بشتى صنوفها، ويشير التجاذب الحالى إلى أنها آتية لا ريب فيها، وقد يكون الجانب الإيجابى الذى ستفرزه حول إحياء نقاش، ضحل أو عميق، حول مختلف القضايا، بما يحيى السياسة التى يراد موتها، ويوسع دوائر الاهتمام الشعبى بأمور تهم الوطن.
بهذه الصورة، وهذا المضمون، سيحدد الناس مواقفهم من البرلمان، وسينسحب هذا على تقديراتهم للسلطة بشكل عام، وتكاد تكون تلك هى النقطة التى يدور حولها إدراك أهمية البرلمان، الذى تنطلق أعماله غداً، من عدمه.