توقيت القاهرة المحلي 20:46:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قصة متحرش (2-3)

  مصر اليوم -

قصة متحرش 23

عمار علي حسن

كانت الفرحة تسبق المتحرش زين الأبجى إلى ميدان التحرير، لأول مرة فى حياته سيجد يده ممدودة إلى الأجساد الطرية بلا خوف. سيفعل ما يريد. شعر بأن جسمه يغلى بالشبق. جيوش من النمل تزحف فى شرايينه، وتنتهى إلى ما بين فخذيه فيتصلب. يتلهَّى عنه قليلاً ليهدأ، لكنه كلب مسعور لا يكف عن النباح. نظر إلى من حوله، صوَّب عينيه إلى ابتداء أنصافهم السفلية، ليعرف ما إذا كانوا مثله يروضون الاشتهاء أم لا؟ بعضهم كانوا مثله يقاومون اللهفة والانتظار، وبعضهم كان مرتخى الأعصاب وكأنهم ذاهبون إلى صالون حلاقة. سأل من كان بجانبه فى الحافلة التى أقلتهم إلى ميدان التحرير:
- هل أنت متزوج؟
- نعم.
ابتسم، وهز رأسه متعجباً، فسأله الرجل:
- لم تتعجب؟
- أحسب أنك لا تتلهف على ما يريده عازب مثلى.
- أكل عيش، وفرصة لأتعرف على أجساد أخرى، بعد أن مللت جسد أم العيال.
- فعلاً، لا يوجد على هذه الأرض من يعجبه حاله، ولا يملأ عين بنى آدم إلا التراب.
دخلوا ميدان التحرير من عند المتحف المصرى، بعد أن ألقت بهم الحافلة بالقرب منه. صوَّبوا عيونهم بنهم إلى صدور البنات، لكن الليل لم يكن قد أتى بعد حتى ينقضُّوا عليهن، كما أن المكان لم يكن مزدحماً، وشباب كثر يسيرون مع البنات، وراءهن وبجوارهن وأمامهن، وعيونهم تسكنها الجرأة التى غرفوها من الميدان، وسكبوها فى أوردتهم وأبصارهم.
تقدموا صامتين، وما إن اقتربوا من الحشود، حتى تفرقوا فى كل اتجاه، كما قيل لهم. كمِنَ كل منهم مكانه ينتظر الغروب، ويتوق إلى اللحظة التى يتقافز فيها كل منهم فى الميدان كأن عقارب تلسعهم، أو أكواماً من الجمر الصافى قد ألقيت عليهم من جوف السماء.
جلس زين على الكعكة الحجرية، رمى بصره يميناً، فوجد نصبة سعد الزايط، قام إليها، وطلب كوباً من الشاى، وجلس يحتسيه فى بطء شديد، لعل الوقت المتبقى حتى قدوم الليل يمر سريعاً. ومدَّ عينيه صوب مبنى وزارة الخارجية يتابع انحسار الشمس، التى تحط هنا على شعور البنات. سافرات ومحجبات ومنتقبات، كلهن سيكنَّ بعد قليل فى مرمى نيرانه. هكذا قال لهم شديد الوقيع:
- كله، المينى جيب، والنقاب، على حد سواء.
كثيرون راحوا يتيهون فى كل وسائل الإعلام بروعة الأخلاق فى الميدان، التآخى والتعاون والتكاتف والإيثار والاحترام والأدب الجم، كأنه صار «المدينة الفاضلة»، بقعة منفصلة حررها الثوار من قبضة العمى والبطش والقبح.
كان المبطشون يستمعون إلى كل هذا ويبتسمون فى خبث، وأقسموا أن ينزعوا عن هذا الميدان رداءه، ليقف عارياً فى وجه الريح، وقال أحدهم وهو يلقى أوامره لشديد الوقيع:
- عاوزه يتحول إلى مكان للفسق والفجور.
جاء الليل، وليل الشتاء أسود كالح، ثقيل كالجبل، طويل كالأيام الصعبة. وفجأة صرخت فتاة فى وسط الحشد: يا سافل يا حيوان. وصرخت أخرى فى الطرف الأيمن، وثالثة فى الطرف الأيسر، وتوالت الشتائم، ووقع هرج ومرج، والجناة غائبون. بنات أمسكن بأول شاب يلحق بهن، وأوسعه الحاضرون ضرباً وركلاً وسباً، فسالت دماء، وأهين أبرياء، والفتيات والسيدات جرين خارج الحشود، وتجمَّعن على الأطراف، وشعرن لأول مرة بالغربة فى هذا المكان، الذى تلاصقت فيه الأجساد ثمانية عشر يوماً وليلة دون أن تشكو واحدة من تحرش أو معاكسة أو خدش حياء. هناك بنات احتمين بالشباب، فجلسن فى وسط الكعكة الحجرية، وتحلق حولهن شباب الثورة، فلم يتمكن المتحرشون من أن ينفذوا إليهن.
(نكمل غداً إن شاء الله تعالى).

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصة متحرش 23 قصة متحرش 23



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon