عمار علي حسن
هناك سؤال أصبح يفرض نفسه علينا فى الوقت الراهن وهو: كيف يمكن للمؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية فى مصر أن تساعد فى محاربة التزمت والتطرف الدينى، الذى يقود فى كثير من الأحيان إلى الاحتقان الطائفى، والعنف المنظم والإرهاب، ويذكى تنازع هويات مزعومة أو متوهمة فى المجتمع؟ إن هناك مسارات محددة يمكن أن تتفاعل معها تلك المؤسسات أو تنخرط فيها أو تقودها أو تؤثر فيها يمكن ذكرها على النحو التالى:
1 ـ التعليم، وذلك بتضمين المناهج التعليمية ما يحض على التعايش، ويحرص عليه، وتنقيتها مما قد يقود إلى كراهية طرف لآخر، أو الوقوع فى خطيئة تكفيره أو نبذه وهجره أو حمل مشاعر غير طيبة حياله. فإذا كان التعليم فى مصر يتم على ركائز ثلاث هى «تعلم لتعرف» و«تعلم لتعمل» و«تعلم لتكون» فيجب أن نعزز من تواجد الركيزة الرابعة وهى «تعلم لتتعايش» و«تعلم لتحب» وتعلم لتفهم مقاصد الأديان، وكيف أنها يجب أن تكون مصدرا للسعادة وليس التعاسة.
2 ـ الإعلام، وهو وسيلة مهمة، لو استخدمت على الوجه الأكمل، ومن دون انفعال ولا افتعال، فإن بوسعها أن تقلل من أى احتقانات، وترسخ فى عقول الناس ونفوسهم قيم التسامح ونبذ استعمال العنف فى إدارة الاختلافات الحياتية.
3 ـ المنتج الثقافى، الذى يجب أن يحوى كل ثقافة الأمة المصرية، عبر التاريخ، فى جميع الأنواع الأدبية والفنون بمختلف ألوانها، وهذا يصنع جدارا شامخا سميكا صلبا تنكسر عليه كل موجات التطرف والتزمت الدينى، من خلال تعلم فضيلة النقد والفهم الإحاطى والانفتاح على العالم والبحث عن الحكمة أيا كان منبعها.
4 ـ منظومة القوانين، أى وجود حزمة من التشريعات التى تقنن التعايش والتفاهم والتجديد، وتحدد مرجعية عامة له، يلتزم بها الجميع، وتعد هى الإطار الذى تستند إليه المعاملات بين الأفراد وبعضهم البعض، وبينهم وبين السلطة الحاكمة، وليس الأطر التى تعتمد على التصورات والأيديولوجيات الدينية المصمتة والجامدة والمغلقة.
5 ـ المشروعات القومية الشاملة، والتى تتوزع على جميع دروب الحياة، والتى يجب أن تستوعب جميع المصريين، من دون تفرقة بين مسلم ومسيحى، وتوجه طاقاتهم إلى عمل وطنى مفيد، بدلا من الفراغ الذى يزيد الشقة بين الناس، ويرفع درجة الطاقة الانفعالية لديهم.
6 ـ الجهاز البيروقراطى، الذى إن وجدت معايير سليمة للتعيين والترقى فيه وفق مبدأ «الاستحقاق والجدارة»، فمن شأنها أن ترفع الظلم عن كثيرين سواء من المسيحيين أو حتى من فقراء المسلمين ومهمشيهم، وزال سبب مهم للاحتقان الطائفى والطبقى، وتلافى أسباب الفساد التى تعطى المتطرفين بعض الذرائع لتسويق خطابهم التحريضى ضد السلطة.
7 ـ المجتمع الأهلى، والذى يمكنه حال وجود جمعيات خيرية دينية مشتركة بين المسلمين والمسيحيين أن يزيد من أواصر التعايش بين الجانبين، أما الجميعات المنفردة فعليها أن تنشغل بالدعوة والوعظ، سعيا إلى تحقيق الامتلاء الروحى والسمو الأخلاقى، وكذلك النفع العام، بعيدا عن إقحامها فى الصراعات السياسية. ويجب على هذه الهيئات والمنظمات والروابط أن تتفاعل بإيجابية مع المؤسسات الدينية الرئيسة، ولا تدخل معها فى صراع، محاولة أن تلغيها أو تهمش دورها.
8 ـ علماء الدين، وذلك من الجانبين الإسلامى والمسيحى، والذين بوسعهم، إن خلصت النوايا وصح الفهم، أن يحضوا المصريين على رفض التطرف والتصدى للإرهاب، بعد أن يبينوا لهم ضرورات التسامح والاعتدال، وأصولهما فى الشرائع السماوية ذاتها.