توقيت القاهرة المحلي 01:32:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مافيا الدروس الخصوصية

  مصر اليوم -

مافيا الدروس الخصوصية

عمار علي حسن

 

لم تعد كارثة انهيار التعليم وتصاعد مافيا «الدروس الخصوصية» خافية على أحد فى مصر، فكل الأسر التى لديها تلاميذ وطلاب فى مختلف المراحل التعليمية، بدءاً من دور الحضانة وانتهاء بالجامعات، تدرك هذا الأمر جيداً، وتعانى منه أشد المعاناة، ورغم أنينها الذى يكاد يصم الآذان فإن أحداً لا ينصت إليها، وهى تمضى شاكية باكية فى أنينها بل وصراخها الذى لا تملك إلى غيره سبيلاً فى ظل حرصها على أن يحصل أولادهم على شهادات بأى ثمن حتى لو كانت فارغة من المضمون، وتشكل عبئاً جسيماً على مستقبل بلدنا، لضعف مستوى الخريجين والتهام ميزانية الدروس الخصوصية، 15 مليار جنيه من جيوب المصريين.

وإذا تحدث الباحثون فى التربية والتعليم والمفكرون والمثقفون والكتّاب أو حتى أولياء أمور الطلاب، بإفراط عن هذه المأساة، فهذا أمر طبيعى ومألوف، لكن أن يُقدم مدرس على هذا، فى شجاعة وإخلاص، فهذا نادر الحدوث، فالأغلبية تحجم إما خوفاً من العقاب الإدارى، أو حرصاً على المصلحة المباشرة، أو إيثاراً للسلامة.

والأستاذ «جمال سيد عبدالوهاب» مدرس اللغة العربية بمدارس «آمون» والشاعر، هو واحد من هؤلاء النادرين بين مدرسينا أو القائمين على العملية التعليمية برمتها. ولهذا أدهشتنى صراحته تلك وهو يقول لى: «متوسط ساعة الدروس الخصوصية يصل إلى 150 جنيهاً، ولدىّ أسماء وعناوين ومواعيد وأسعار موثقة تحت أمر من يهمه الأمر»، بل يصف المدرسة ذاتها بأنها «تحولت إلى مكان لملء البطون دون النظر أو الاهتمام بالعقول، ومكاناً لعقد صفقات الدروس الخصوصية مع الطلاب، والاتفاق على تفاصيل هذه الجريمة التى يشارك فيها الضحية عن طيب خاطر، ظناً منه أنه يشترى النجاح والتفوق لابنه، وولى أمر الطالب ليس أمامه مفر سوى الرضوخ لطلبات السيد المدرس فى المنزل أو «السنتر»، حيث لا يستطيع ابنه أن يحصل على التعليم سوى بهذه الطريقة».

ويلفت عبدالوهاب النظر فى كلامه الصريح إلى أن «جدران شوارع المحروسة امتلأت بأسماء أباطرة الدروس وأرقام هواتفهم المحمولة، ويطلقون على أنفسهم ألقاباً غريبة مثل «قرصان الرياضيات» و«أخطبوط اللغة العربية» و«سفاح الكيمياء» و«مرعب الفيزياء» و«ساحر الأحياء» و«قناص التاريخ والجغرافيا» و«جراح علم النفس والفلسفة» و«جبابرة اللغات»، ويقول: «الدولة رصدت 8 مليارات جنيه لكادر المعلمين حتى يتقوا الله فى التلاميذ ولكنهم لم يفعلوا، بل تحول بعضهم إلى رجال أعمال، وأصبحت مقرات الدروس الخصوصية مثل الشركات التى يديرها رجال أعمال، وتنافسها الجمعيات الخيرية، دون رقيب من المحافظين، ودون رادع من القانون الذى يكتفى بالعقوبة الإدارية للمدرس».

بل يذهب فى نظره إلى الدروس الخصوصية إلى ما هو أبعد من هذا حين يؤكد أن «الدروس الخصوصية لا يقل خطرها عن الإرهاب الذى تمارسه الجماعات التكفيرية، إنه إرهاب من نوع جديد، يقتل الفرحة فى قلوب أولياء الأمور، ويسلب ما فى جيوب الغلابة، رغم أن الدروس سيطرت سلبياً على شخصية متلقى التعليم من الحضانة إلى الجامعة».

ويطلب الأستاذ جمال هنا، وعبر مقالى هذا، أن يوجه رسالتين، الأولى إلى وزير التربية والتعليم ويسأله سؤالين: يا معالى الوزير، إلى متى ستظل صرخاتنا تذهب أدراج الرياح؟ وإلى أى مدى من العذاب والمعاناة سوف يتحمل المصريون جرّاء مافيا الدروس الخصوصية؟» ثم يقول له: «إن ما يحدث فى المجتمع المصرى وما يجرى للأسر المصرية لأشبه بسطو مسلح وممنهج، حيث تُغلق فصول الثانوية العامة نتيجة غياب الطلاب وعزوفهم عن الحضور للمدرسة وتراخى المدرسين حيال ظاهرة الغياب علاوة على إهمالهم فى الشرح داخل الفصل، بينما ينصب اهتمامهم على تنظيم مواعيد الدروس الخصوصية فى البيوت، لتصبح هى البديل الوحيد للمدرسة».

ولكل هذا يطالب مدرس اللغة العربية وزير التربية والتعليم بـ«سرعة التدخل واتخاذ ما يلزم من قرارات وخطوات لرفع المعاناة عن كاهل الأسر المصرية، والنظر بعين الرحمة والاهتمام لمستقبل أبنائنا»، بل يقرع جرس الخطر، ويقول للوزير: «منظومة التعليم فى مصر تعانى من تدهور مخيف نتيجة تراكم الأمراض المزمنة فى الهيكل التعليمى خلال السنوات السابقة.. إن المسكنات لن تفلح فى العلاج، ولا بد من تدخل جراحى، وبتر كل العناصر الفاسدة فى المنظومة التعليمية، وإقصاء كل متكاسل فى أداء واجبه».

أما الرسالة الثانية فيوجهها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، ويقول له: «سيادة الرئيس، كما أمرت بحفر فرع جديد لقناة السويس، نناشدك أن تُحفر مقبرة الدروس الخصوصية فى عهدك».

تحية للأستاذ جمال سيد عبدالوهاب على شجاعته وصراحته وإخلاصه وحرصه على المصلحة العامة، وأتمنى أن تصل كلمته إلى من يهمهم الأمر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مافيا الدروس الخصوصية مافيا الدروس الخصوصية



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon