توقيت القاهرة المحلي 05:08:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

متى نربح «المعارك الصغيرة»؟ (1 - 2)

  مصر اليوم -

متى نربح «المعارك الصغيرة» 1  2

عمار علي حسن


قبل نحو خمسة عقود من الزمن ضربت أرجل العرب مناطق عدة فى العالم، حيث خاضوا معركة التحرير الكبرى ضد الاستعمار، حتى حمل عصاه ورحل. واليوم بعد الإنهاك الذى حدث بفعل تعثر الثورات والانتفاضات تغيرت موازين القوى، وتراجعت قدرات العرب، الذين كان يقال إنهم القوة السادسة فى العالم عسكرياً قبل أربعة عقود فقط، لتصبح إمكاناتهم مجتمعة فى التسليح أقل من إسرائيل، وفى الاقتصاد أضعف من إسبانيا، وفى عالم الترجمة والنشر أدنى من دولة أوروبية صغيرة فقيرة هى اليونان، أى أنهم فقدوا، إلى حين، القدرة على إدارة المعارك الكبيرة فى عالم الحرب والمال، ولم يعد أمامهم إلا أن يلتفتوا إلى الصغير من المعارك، فيحسنون إدارتها، ليجنوا فوائد سريعة ترمم الشروخ التى مزقت البنيان العربى على مدار العقدين الأخيرين.

فبدلاً من انتظار العرب لحظة تاريخية فارقة يستعيدون فيها جزءاً من مجدهم الضائع وحضاراتهم العظيمة التى أهدت الدنيا عطايا مادية لا تنسى، ونفحات روحية لا تزال متوهجة، عليهم أن يعملوا بجد واجتهاد فى سبيل تحسين أوضاعهم الراهنة بالقدر الذى يسمح لنظامهم الإقليمى بالبقاء على قيد الحياة، أو على أقل تقدير الحيلولة دون تدهور أوضاعهم إلى الحد الذى يخرجهم تماماً من «زمام التاريخ» أو يؤدى إلى «إعلان وفاتهم»، حسب ما قال الشاعر الشهير نزار قبانى ذات يوم بقصيدة بكائية أبدعها فى لحظة يأس جارف، تصور فيها أن الغد سيكون، بالضرورة، أسوأ من اليوم، وأن العروبة تسير، لا محالة، إلى ذهاب أبدى.

إن معطيات التاريخ تهدى إلينا حكمة عميقة وناصعة عن أمم لم تقعدها، الهزائم الكبرى أو النكسات الشاملة والوهن العام الذى تمكن منها حتى النخاع، عن محاولة كسب النزال المحدود والاشتباك المحدد مع وقائع حياتية جانبية، نراها صغيرة وهى من عظائم الأمور، حتى خرجت من ضيق إخفاقها إلى براح الإنجازات العريضة، التى دفعتها إلى مقدمة الصفوف، بعد أن كانت قبل عقود فى عداد الأمم المغيبة عن التدفق الرئيسى لحركة العلاقات الدولية. ولعل ما مرت به الصين والهند، مثلاً لا حصراً، يدلل على هذا الأمر بجلاء لا يشوبه غموض، ووضوح لا يصيبه لبس.

فالصين ما ظن أحد أنها ستفيق من حرب الأفيون، وتسترد وعيها، وتطلق طاقتها فى اتجاه المزاوجة بين ما فى القيم التقليدية الكنفوشيوسية من جوانب أخلاقية إيجابية وما فى ثورتها الحمراء من اتجاه صارم وقوى إلى تهيئة المجتمع لحياة عملية مختلفة، ثم تقرر، بعد الدخول فى جدل عميق حول الملامح النهائية للأيديولوجيا وحدود التفاعل المرن مع العالم، أن تخط لنفسها بثقة طريقاً مستقيمة، جنت منها ثروة طائلة، وحققت لبكين وجوداً اقتصادياً، ومن ثم ثقافياً وسياسياً أحياناً، فى كل مكان على سطح الأرض. فالصين لم تشأ أن تستمر فى مناطحة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى السابق فى عالم التسلح الرهيب، بل امتلكت فقط فى هذه الناحية ما يكفى للدفاع عن سيادتها الوطنية، ولم تجارِ القطبين الكبيرين إبان الحرب الباردة فى بلوغ أجواز الفضاء الرحيب، بل قررت أن تبدأ من مجال هامشى ضئيل فى عالم المال والقوة، لكنه بالغ التأثير فى دنيا الحضور الثقافى والرمزى، ثم الاقتصادى فيما بعد، وهو صناعة «لعب الأطفال»، التى لم تلبث أن اتسعت لتطوق مجالات صناعية تلبى الاحتياجات اليومية البسيطة للفرد والأسرة فى أرجاء العالم كافة، من ملبس وأدوات كتابية وزينة وهدايا.. إلخ، وأنجزت فى هذه الناحية إلى الدرجة التى تثير حنق وحقد الولايات المتحدة.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متى نربح «المعارك الصغيرة» 1  2 متى نربح «المعارك الصغيرة» 1  2



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 05:08 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية
  مصر اليوم - عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon