عمار علي حسن
فى السياسة يمكن لكثيرين أن يختلفوا مع توجه الدكتور ممدوح حمزة، ويعترضون على صخبه وعفويته الطليقة التى تثير المشكلات ليس أحياناً، بل غالباً، لكن من يعرفونه جيداً، يقدرونه حق قدره، فيتفقون على «وطنيته»، التى لا تشوبها شائبة، ويقر الكل له بعلمه الغزير فى تخصصه، وبهمته العالية فى إنجاز كل ما يتحمس له، ويُسند إليه، ويُكلف به، وبذكائه الحاد الذى يجعل منه واحداً من العقليات الخلاقة فى مجالات عرفها وعركها، أو أخرى يقترب منها، بحكم عمله وخبرته، التى تتجدد باستمرار، كماء نهر دافق.
قبل أسابيع، نظم «حمزة» ندوة فى مقر «المجلس الوطنى» شرح فيها أمام لفيف من الخبراء والشخصيات العامة، والإعلاميين، رؤيته لمشروع قناة السويس. وقبل أيام أرسل لى أسطوانتين مدمجتين بمضمون الندوة، وقبل هذا بزمن طويل أمدنى برسوم وشروح مستفيضة لمشاريع واعدة، لو وجدت طريقها إلى التنفيذ لساهمت فى دفع عجلة التنمية فى بلدنا إلى الأمام.
فى المشروع الأول، كان يسعى «حمزة» إلى بناء تعاونيات زراعية فى قلب الصحراء الغربية، يمتلكها الشباب، وترعاها الدولة حتى تنطلق فى طريقها مظفرة، ولا تقتصر على الزراعة، إنما الإنتاج الحيوانى والأسماك. وقد رسم ملامح المشروع بدقة، عبر دراسة جدوى، وشرحه أمام كثيرين، وبدا واثقاً فيما فكر فيه، وخطط له، لكن بقى حصاد خياله الخصب حبراً على ورق، وصوراً نائمة بين دفتى ألبوم كبير، لأن من أرسلها إليهم غير مرة، لم يعتنوا بها، حتى بعد أن أقر بعضهم شفاهة بأهمية ما قدمه د. حمزة، ووعده كاذباً بأن الدولة ستستفيد منه.
وبالنسبة لمشروع حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس ينطلق «حمزة» بأن ما تم هو «عمل هندسى جبار بكل المقاييس»، لكنه عمل يحتاج إلى وقفة من ناحية الجدوى الاقتصادية، ويقول: «بصفتى خبيراً هندسياً فى مشروعات منطقة قناة السويس، وسبق لى أن شاركت فى جميع المشروعات المقامة فوقها أو تحتها، أو بها منذ عام 1979 ولمدة 25 عاماً، وأستاذاً بجامعة قناة السويس، فإن من واجبى الوطنى والمهنى أن أعرض وجهة نظرى»، وأهم ما عرضه «حمزة» فى وجهة نظره تلك، تشمله عبارة دالة تقول: «أؤكد أن أملنا فى الدخل من قناة السويس هو فى مشروع تطوير منطقة قناة السويس وتشجيع وجذب استثمارات للخدمات البحرية والموانئ واللوجيستيات والصناعات التصديرية، بشرط أن تكون صناديق مصرية شريكة فى رأس مال الشركات المقبلة للاستثمار، وأن تكون الأرض بالإيجار السنوى المتجدد، أو نظير نسبة من دخل الشركات». لكن صوت «حمزة» فى هذا المشروع يذهب سدى، كما ذهب فى المشروع الذى سبقه.
مشكلة «حمزة» أن هناك من يعتقد دوماً أنه يبحث عن مصالحه ومنافعه فيما يطرحه من مشروعات مدروسة ومفحوصة جيداً، لكن ذلك مردود عليه ببساطة، فليس عيباً أن يطرح مثله ما يحقق له فائدة صغرى إلى جانب فوائد كبرى لمصر، ومع هذا فحمزة، وطيلة السنوات التى أعقبت ثورة يناير بادر فى حالات كثيرة بأفعال وأقوال لم يكن له فيها أو منها أو بها أى مصلحة أو منفعة، بل إنها أضرت به لدى السلطة، ولو كان هو من الذين يجيدون النفاق والمداهنة والملاينة، ويعرف من أين تؤكل الكتف، لأغلق فمه وتصرف فى الاتجاه الذى يرضى من بيدهم مقاليد الأمور، حتى لو كان هذا ضد المصلحة العامة أحياناً، فوجد كل شىء ممهداً أمام أفكاره وتصوراته وخططه وبرامجه، كى تجد طريقها إلى التطبيق بين غمضة عين وانتباهتها.
مشكلة «حمزة» أن البعض، وبغرض دفين، يستغل موقفه السياسى لينسف إبداعه فى مجال الهندسة والتعمير، ويشن ضده دعاية سوداء، وينطلى هذا على بسطاء الناس، فيخلطون بين أمرين لا يمكن لأحدهما أن يلغى الآخر هكذا، إن استقام الأمر، وكانت مصلحة مصر هى التى تحرك من بأيديهم مقاليد الأمور، وكان الذين يصعدون إلى المناصب أكفاء بحق وصدق لا يحاربون المبدعين، ويتخيرون دوماً من ينافقونهم، ولو كانوا الأخيب والأفسد، دون أن يتوقفوا لحظة بأى دافع من دين أو وطنية أو ضمير، ليدركوا أن مصر هى التى تدفع الثمن.