توقيت القاهرة المحلي 18:22:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«عقيدة قتالية» لا «حالة فردية»

  مصر اليوم -

«عقيدة قتالية» لا «حالة فردية»

عريب الرنتاوي

شاهدت كغيري، الشريط الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ويُظهر مجموعة من رجال الأمن الفلسطيني، بكامل هيئاتهم وتجهيزاتهم القتالية، ينهالون بالضرب على فتى في مخيم العزة، خرج للتظاهر نصرة للأقصى، استجابة لنداء الغضب في يوم الغضب الإسرائيلي على الممارسات الاحتلالية المجرمة ضد القدس والمقدسات... أصدقكم القول، إنني عاودت المشاهدة أكثر من مرة، بحثاً عن جواب عن سؤال داهمني طيلة الوقت: من هم هؤلاء؟ ... من أي معين نهلوا، وبأية أخلاق أو “عقيدة قتالية” حُقنوا؟

أما وقد بلغت المسألة حد “الفضيحة الوطنية” بامتياز، فقد تبارى المسؤولون الفلسطينيون في إعلان البراءة من الفعلة من النكراء، كبارهم أمروا بتشكيل لجان تحقيق، وصغارهم، لم يتركوا فرصة تمر من دون التذكير بـ”التوجيهات السامية” التي تلقوها من مسؤوليهم، بالتزام القانون واحترام حقوق الانسان، واعتماد المناقبيات الحميدة في هذه الأحوال، هذا ينسب التوجيهات للرئيس وذاك لرئيس حكومته، وثالث لمدير جهاز الأمن الوطني، ورابع للمحافظ، إلى غير ما هنالك من مواقع ومناصب وأسماء تشغل هرمية السلطة.

تذكرت “الانسان الفلسطيني الجديد” وانا أتابع شريط الفيديو/ الفضيحة ... تذكرت ما قيل وكتب و”سُرّب” عن “العقيدة القتالية” لأجهزة السلطة الأمنية، التي أشرف على إعادة بنائها وتأهيلها الجنرال الأمريكي المتقاعد ورئيس الحكومة البريطانية الأسبق ... هؤلاء هم الثمرة المرة لمشروع “بلير-دايتون” الذي يرى في المقاومة إرهاباً، وفي التظاهر لمقارعة الاحتلال، خروجاً على النظام العام وتجاوزاً لـ “سيادة القانون”، هؤلاء هم فرسان “التنسيق الأمني” الذي أرهق الضفة وجرّدها من روحها وغضبها، وأراح الاحتلال وأزاح عنه أعباء المواجهة وكلفتها.

شرطي يبرح صبياً فلسطينياً بالضرب بالهراوة، وما هي إلا لحظات، حتى يتكالب عليه آخرون، ثلاثة ... أربعة ... عشرة، الكل “يؤآجر”، تماماً كما نفعل حين ندفن عزيزاً علينا، يهيل كل واحد منا التراب على جثمانه، أملاً في الأجر، في يوم الأجر العظيم ... لا أدري عمّا كان يبحث “المؤآجرون” بالفتى من مخيم العزة، وما الذي كانوا ينتظرونه لقاء فعلتهم السوداء، وما الذي كان يدور بخلدهم وهم يضربون بكل قسوة صبياً من ابناء وطنهم وجلدتهم ... هل خطرت ببالهم صور أمهاتهم وذويهم على الحواجز الإسرائيلية، هل استحضروا صور البربرية الإسرائيلية في الأقصى وأكنافه؟ ... هل خطر ببال أحدهم، أن جندياً إسرائيلياً يضرب في اللحظة ذاتها، فتى فلسطينياً آخر، على مقربة منهم؟

ما الذي تُحقق فيه السلطة، وما الذي تبحث عنه؟ ... هل نحن أمام سلوك فردي منحرف يصدر عن رجل أو اثنين من رجال الأمن الفلسطيني، وكيف نفسر مسارعة الآخرين على اهتبال السانحة والمشاركة في حفلة الضرب المبرح؟ ... هذا الحماس في التكالب على الفتى المتظاهر، يؤكد بالملوس أننا لسنا أمام حالة فردية ... لقد تكررت هذه الخروقات حتى صارت ظاهرة، تشف عن تربية عامة و”عقيدة قتالية” ... ألم يضربوا من قبل أعضاء في اللجنة التنفيذية وقادة كبار لفصائل رام الله، وفي قلب العاصمة المؤقتة للسلطة؟ ... لسنا أبداً أمام خروقات فردية، تحصل ويمكن أن تحصل في أي مكان في العالم.

وهل فلسطين، كأي مكان في العالم، لتنضبط شرطتها وأجهزتها الأمنية للمعايير الدولية ذاتها، هذا بفرض انضباطها المزعوم، أليست فلسطين تحت الاحتلال؟ ... أوليس قانون مقاومة الاحتلال، هو سيد القوانين جميعها، من وضعية وسماوية ... عن أي قانون يتحدث هؤلاء؟ ... هل يصدقون أنفسهم وهم يتحدثون عن سيادة القانون؟ ... وأين القانون السيّد، حين تصل دوريات الجيش الإسرائيلي إلى بوابة المقاطعة، أين يختفي هؤلاء “الغر الميامين” في تلك اللحظات، ولماذا لا يظهر بأسهم إلا على المتظاهرين الفلسطينيين من شباب وفتيان ... أين هم وقطعان المستوطنين يعيثون حرقاً وقتلاً وترويعاً بأبناء شعبهم ... أين هذا “الجيل الأمني”من جيل “انتفاضة النفق” وثورة رجال الأمن الفلسطيني الذي سقطوا بالعشرات بين شهيد وجريح دفاعاً عن شعبهم وكرامتهم، وفي معركة غير متكافئة على الإطلاق؟

يقولون إنهم إنما يفعلون ذلك، حماية لأرواح المتظاهرين، وحتى لا يجدون أنفسهم على مرمى الرصاص الإسرائيلي إن هم اقتربوا من خطوط التماس مع جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين ... وهل كانت الانتفاضة الأولى التي جاءت بالسلطة وأجهزتها، لتندلع لو وجدت من يحول بينها وبين حواجز الجيش ومستعمرات المستوطنين؟ ... وهل كانت انتفاضة الأقصى لتنطلق، لو أنها وجدت من يقوم بضرب المتظاهرين الفلسطينيين بدل الإسرائيليين، من أجهزة السلطة ومؤسساتها الأمنية؟

ليس المهم أن تخرج لجان التحقيق بإدانة هذا الشرطي أو ذاك، فتلكم أسهل القرارات، وأقل الإجراءات تسبباً في الضرر والحرج ... المطلوب إجراء تحقيق حول تداعيات “العقيدة القتالية” التي بنيت عليها هذه الأجهزة، وتمليك منتسبيهابجواب على السؤال البديهي الأول: من هم أعداء الشعب الفلسطيني؟ ... من هو العدو ومن هو الصديق؟ ... المهم أن يعرف هؤلاء أن الاحتلال والاستيطان هما الهدف، وليس المتظاهرين والمقاومين والمرابطين من أبناء شعبهم وجلدتهم ... مؤسف أننا نطرح مثل هذه الأسئلة والتساؤلات، بعد نصف قرن من انطلاق الثورة والمنظمة، لكأننا بحاجة لإعادة تعريف قضيتنا والتعرف إلى أنفسنا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«عقيدة قتالية» لا «حالة فردية» «عقيدة قتالية» لا «حالة فردية»



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon