عريب الرنتاوي
أتيح لمجموعة من الأردنيين والأردنيات، المشاركة في احتفالات الدانمارك بالمئوية الأولى لانتزاع المرأة حقوقها السياسية، بشكل خاص، حقها في الترشيح والانتخاب ... وكانت مناسبة لإجراء مقارنات تلقائية بين مكانة المرأة ومكانتها هناك، والحقيقة أن الفجوة بين المكانتين، كانت صادمة، وتقدر بمساحة زمنية تراوح ما بين 60 – 80 عاماً. مائة سنة انقضت على إقرار حق المرأة الدانماركية في الترشيح والانتخاب، بعد 59 سنة، نالت المرأة الأردنية حقوقها المماثلة ... عام 918 1انتخبت أول مجموعة من النساء للبرلمان الدانماركي، أول امرأة تدخل البرلمان الأردني بالانتخاب تم في العام 1993 ... تقلدت أول دانماركية منصباً وزارياً في العام 1924، أما أول امرأة أردنية تقلدت المنصب، فقد كانت أنعام المفتي في العام 1979... النساء دخلن مجالس الحكم المحلي في الدانمارك في العام 1908، أما نساء الأردن فقد تعين عليهن الانتظار ثلاثة أرباع القرن ليحصلن على هذه المكانة (1982) ... الأهم، أن العام 2011 شهد تولي أول امرأة دانماركية منصب رئيس الحكومة، أما في الأردن، فلا يبدو أن أمراً كهذا سيكون ممكناً على عصرنا، ربما على عصر أبنائنا وأحفادنا. ليست الفجوة في الأرقام سالفة الذكر فحسب، على أهميتها، لعل الفجوة الأكبر تتجلى في “النظرة العامة” للنساء في تلك البلاد، فما من قضية تحظى بإجماع الدانماركيين مثل قضية “المساواة الجندرية”، والمرأة حاضرة في مختلف أوجه الحياة والنشاط العام، وبصورة ليست ديكورية على الإطلاق، بل بصورة تطاول وتلامس حضور الرجال، ومع ذلك، هناك المزيد مما يتعين عمله، أقله هكذا يقول الدانماركيون والدانماركيات. تمثيل المرأة الأردنية في البرلمان من أدنى النسب في العالم، المتوسط العربي 17.5 بالمائة، في الأردن 12 بالمائة، المتوسط العالمي 22.5 بالمائة، وثمة مروحة واسعة من الدول يزيد فيها التمثيل على 40 بالمائة، ومروحة أوسع يزيد على 30 بالمائة، وأعلى تمثيل للنساء في رواندا، تليه الدول الاسكندنافية ... أما في الأحزاب السياسية فلا يتعدى حضور النساء حاجز العشرة بالمائة، على الرغم من أن الرقم الرسمي يقول بـ “29.1 بالمائة”، وفي البلديات، شكراً للكوتا التي مكنت النساء من الحصول على 25 بالمائة من عضوية المجالس. لا ديمقراطية من دون “مساواة جندرية”، هكذا يقول الدانماركيون عن صواب ... أما نحن في العالم العربي، فنفضل أن تظل مشاركة النساء في الإطار الديكوري، لتجميل الصورة القبيحة، واحياناً لـ”تأنيث الاستبداد”، فكم من دكتاتور “أنّث” حراسته الشخصية، أو وضع “نائباً” له من النساء، أو زين المجلس النيابي بأكثر من ثلاثين بالمائة من النساء، من دون أن يطرأ أي تغيير يذكر على مكانة المرأة ودورها. مكانة المرأة الأردنية في حقلي العمل والأعمال، مثيرة للرعب، فهي لم تتخط حاجز الثلاثة عشرة بالمائة في سوق العمل، والنسبة ذاتها تقريباً (14 بالمائة) في قطاع الأعمال، مع أنهن أكثر من نصف الطالبات في الجامعات والمعاهد، وأكثر من نصف الناخبات في المواسم البرلمانية ... كتلة تصويتية وعلمية هائلة، بيد أنها معطلة ومكبلة بقيود المجتمع البطريركي – الدكوري، ولنا أن نسأل عن مغزى كل هذا الاستثمار في تعليم النساء، إن لم يفض إلى انخراطهن في المهن والأعمال؟! قد نتحدث لساعات وأيام، عن الأسباب والعوائق التي تكبل المرأة الأردنية ... كتبت وستكتب المؤلفات حول العوائق والمصاعب الثقافية والاجتماعية والموروث والتشريعات والسياسات والإجراءات الحكومية، وكل ذلك صحيح، بل وصحيح جداً، إلى أن شهدنا قبل عقدين أو ثلاثة، صعود موجات متعاقبة من “الأسلمة” و”التطرف” وانتشار القراءات الصحراوية الهجينة للإسلام، وانشغال المجتمع، برجاله ونسائه، في فتاوى التكفير والتحريم والتحليل ... فأنت قد تقضي الليل بطوله في نقاش حول جواز مغادرة الأرملة منزلها قبل انقضاء عدتها أم لا، وما هي شروط هذه المغادرة “التخفيفية” وضروراتها، وكيف تتم وإلى أين وغير ما هنالك. إن أخطر ما تواجهه المرأة الأردنية والعربية والمسلمة، هذه الفترة، إنما يتجلى في شيوع هذا الفكر الظلامي، الخرافي، المهين للمرأة ... والمؤسف أن قليلاً من الجهد فقط، يبذل في مواجهته والتصدي له، وغالباً في غياب أدوار مميزة للنساء في هذه المواجهة، فنحن دول ومجتمعات تعج بالمنظمات والجمعيات النسائية، بيد أننا نفتقر “لحركة نسائية/ نسوية” حتى الآن، أو بالأحرى بتنا نفتقر لهذه الحركات بعد أن انقطع تطورها ما بين مفتتح القرن العشرين والقرن الذي نعيش ... لقد شهدنا نشوء حركات نسائية في مطلع القرن الفائت، أما في مطلع القرن الحالي، فنرى شبكات “الواعظات” و”الأخوات” اللواتي ينشرن ثقافة العصور الوسطى، بين نساء الطبقات الشعبية والفئات المهمَّشة وربات البيوت البائسات اليائسات.