توقيت القاهرة المحلي 23:53:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أخشى أن تذهب دماء علي الدوابشة هدراً؟!

  مصر اليوم -

أخشى أن تذهب دماء علي الدوابشة هدراً

عريب الرنتاوي

صعّدت السلطة الفلسطينية من نبرة خطابها رداً على جريمة إحراق عائلة الدوابشة وهم أحياء على أيدي قطعان المستوطنين السائبة ... خرج الناطقون باسمها يتهددون ويتوعدون بالذهاب إلى المحكمة الدولية لملاحقة القتلة ومحاسبة الجناة ... ولم يبق متحدث واحدٌ من دون أن يذرف الدموع مدراراً على الطفل علي الدوابشة ... لم يبق فصيل أو كتيبة أو فيلق دون أن يصدر بياناً محمّلاً بكل أصناف التهديد والوعيد.

هل سيفضي ذلك كله، إلى “تغيير في قواعد اللعبة القائمة” بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أم أننا بصدد “فزعة” لا أكثر ولا أقل، ستنتهي مفاعليها لمجرد أن تنطفئ نار الجريمة الإرهابية النكراء؟ ... سؤال يستمد مشروعيته، لا من السوابق المماثلة فحسب، بل ومن السياق العام لأداء السلطة الذي يتميز بالغرق في المراوحة والانتظار؟

لم يكن الطفل ابن الثمانية عشر شهراً، أول الأطفال الفلسطينيين الذين يحرّقون ويقتّلون، ولن يكون آخرهم ... فنحن أمام “مسلسل مرعب” من عمليات التقتيل والتحريق اليومية التي تطال الرجال والنساء والشيوخ والأطفال، في الضفة والقدس وقطاع غزة ... ولقد مررنا بتجربة مماثلة قريبة، قبل عام أو أزيد قليلاً، عندما حرق مستوطنون الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير من بلدة شعفاط في القدس، حين خطف وعُذّب قبل حرقه في مظاهر احتفالية محمّلة بكل معاني الوحشية والبربرية الداعشية .... يومها، قامت قيامة الفصائل والكتائب والناطقين والمتحدثين، لنعود بعد هدأة العاصفة إلى مزاولة يوميات المراوحة الثقيلة كالمعتاد، بانتظار جريمة أخرى و”فزعة” ثانية.

ولقد تكشّفت الجريمة النكراء عن مفارقتين: أولاهما تتعلق بدموع التماسيح التي ذرفها نتنياهو وأركان حكومته، لكأنهم أبرياء من دم عائلة الدوابشة، وألوف العائلات الثكلى من الفلسطينيين ... هؤلاء الذين جاءوا بالمستوطنين من أربع أرجاء الأرض، وقاموا بزرعهم على صدور وقلوب وتراب الفلسطينيين، ووفروا لهم مختلف أدوات الجريمة: ثقافة الكراهية واستئصال الآخر، الحماية القانونية والأمنية، ومنظومة المزايا والإغراءات لاستيطان البلاد وتطهيرها من سكانها الأصليين .... نتنياهو الذي حاول الظهور على صورة “الأم تيريزا”، داهمته الجريمة وهو في ذروة الانتشاء بنجاح حكومته في تمرير قانون عنصري – فاشي الطراز: إطعام المعتقلين والأسرى المضربين عن الطعام عنوة وبالضد من إرادتهم؟!.

أما المفارقة الثانية فتتصل بدعوة واشنطن جميع الأطراف لضبط النفس بعد استنكار الجريمة وإدانتها بأشد العبارات ... لم نر كلمة واحدة تنبس من بين شفتي مسؤول أمريكي يتحدث فيها عن “حق الفلسطينيين في الدفاع عن النفس”، وهي اللازمة الممجوجة التي تتكرر على لسان كل مسؤول أمريكي في أعقاب مواجهة مسلحة أو اشتباك مع الفلسطينيين، ولكن لصالح الإسرائيليين، ولصالحهم وحدهم فقط... ولا أدري من كانت واشنطن تقصد بـ “الأطراف” وهي توجه نداءها ذاك؟ ... هل كانت تخشى ردة فعل فلسطينية تتجاوز قواعد اللعبة القائمة حالياً، أم أنها كانت تتحسب لردود أفعال مبالغ في وحشيتها، قد تقدم عليها سلطات الاحتلال لمواجهة تظاهرات الغضب التي ستندلع في أعقاب شيوع أخبار الجريمة البشعة.

على أية حال، لم ينظر أحدٌ إلى الدمع في عيني نتنياهو، بل تتبع العالم ما كانت تفعل يداه، من عمليات قمع وتنكيل وحشية ضد جموع الفلسطينيين الغاضبة والثائرة على حالة الذل التي يفرضها الاحتلال والاستيطان وقيود السلطة عليهم ... لقد عاقبت إسرائيل الفلسطينيين مرتين: الأولى، بحرق عائلة الدوابشة وهم أحياء، والثانية بقمع الجموع الغاضبة احتجاجاً واستنكاراً للجريمة ومرتكبيها ... أما الذين قارفوا هذه الفعلة النكراء، والبيئة الحاضنة والمنتجة لهم، فهي الأولى بالرعاية دائماً، من منظور الطبقة الحاكمة في إسرائيل، يمينية كانت أم يسارية، فعند هذه النقطة بالذات، فإنهم جميعهم استئصاليون.

ستذهب دماء علي الدوابشة وعائلته هدراَ، مثلما ذهبت دماء من سبقوهم، ما لم تقدم السلطة والمنظمة وحركة فتح وجميع فصائل العمل الوطني الفلسطيني، على تحويل هذه اللحظة المأساوية إلى فرصة لاستئناف مسار الكفاح التحرري الوطني، بكل مقتضياته وموجباته، بعد أن بلغ الفشل بخيارات السلطة، حداً جعل “الآباء المؤسسين” لمسار التفريط والتنازلات والاستكانة، يتخلون عنه ويتقافزون من سفينته الغارقة، ويسارعون إلى نفي “أبوّتهم” له ... فالنجاح كما يقول المثل، له مئة أب، أما الفشل فيتيم. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أخشى أن تذهب دماء علي الدوابشة هدراً أخشى أن تذهب دماء علي الدوابشة هدراً



GMT 20:18 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة

GMT 00:00 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل نحتاج حزبا جديدا؟

GMT 09:08 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

7 فرق و11 لاعبًا نجوم البريمييرليج!

GMT 08:51 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:49 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:48 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:00 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
  مصر اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم الدشاش

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon