توقيت القاهرة المحلي 21:51:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أسئلة الكارثة في منى وتساؤلاتها

  مصر اليوم -

أسئلة الكارثة في منى وتساؤلاتها

عريب الرنتاوي

بعيداً عن التلاوم والاتهامات المتبادلة، التي تفوح منها رائحة السياسة وحروب المحاور، فإن تكرار الحوادث الدامية والمؤسفة في مواسم الحج، تطرح أسئلة وتساؤلات، لا يمكن للعقل الإسلامي أن يظل بمنأى عنها، أو يبقيها “تحت البساط”، وقد آن لهذا العقل أن يخرج من أسر الرتابة في اجترار المتوارث من الأفكار إلى فضاءات التفكير من خارج الصندوق، وإعمال الاجتهاد الذي يوفر على الناس عناء المقامرة بالأرواح والأنفس البريئة، فلا يجوز أن تظل رحلة الحجيج محاطة بكل هذا القلق والتحسب.

بعضنا في غمرة “التزيّد” و”المزاودة” يصرح عبر الأثير والفضائيات، بأنه كان يتمنى “ميتة” كلتك التي راح ضحيتها ما يقرب من الألف حاج على أقل تقدير، ومثلهم، وربما أكثر منهم من الجرحى والمصابين ... لا أدري أي إيمان هذا الذي يدفع بصاحبه لتمني الموت تحت الأقدام المتزاحمة ... وهل هذا من الدين في شيء؟ ... وهل قدسية المكان وطهارته، تسوغان تحويله إلى ساحات للموت الجماعي؟ ... أين علماء الدين والمجتهدين، ولماذا يلوذون بصمت القبور حيال كارثة من هذا النوع؟ ... وهل عقد الخوف ألسنتهم؟ ... أين هم من قيمة الحياة الإنسانية، هل رَخُصنا إلى هذا الحد؟

أكثر من مليوني حاج يتجمعون في الوقت ذاته والمكان ذاته كل عام... هنا يجدر القول بأن المكان مهما اتسع وتوسع، سيظل ضيقاً على الناس، هو ضيق الآن، وكان كذلك بالأمس، وسيكون أكثر ضيقاً في المستقبل ... المسلمون يتكاثرون بمعدلات سريعة، أكثر من غيرهم من أتباع الديانات الأخرى، والطلب على الحج في تزايد مستمر، ونظام “الكوتا” يضيق بأهله، ويجعل الحج إلى الديار المقدسة، حلماً بعيد المنال، وإن تحقق ففي أرذل العمر، عندما يضعف الجسد وترتعش سيقان الطائفين والمهرولين والساعين في المشاعر المقدس. 

متوسط أعمار الحجيج في ارتفاع سنة بعد أخرى، من لم يبلغ النصف الثاني من ستينيياته، يصعب عليه الحصول على مقعد في الرحلات المتجهة إلى مكة والمدينة ... هؤلاء هم الأكثر عرضة للإصابة والوفاة، إن لم يكن بفعل الحر القائظ والمشاق الصعبة، فعند تزاحم الأقدام ... والمتوقع إن استمر الحال على هذا المنوال، أن يرتفع متوسط أعمار الحجيج سنة بعد أخرى، وأن تضيق “الكوتا” بطالبي الفريضة ... تخيلوا كم سيبلغ عديد الحجاج بعد عشرين سنة أو خمسين سنة، أو مائة سنة، إن ظلت “الكوتا” على حالها، أو كم سيلغ متوسط أعمارهم، إن تقلصت بفعل الزيادة السكانية الطبيعية، وارتفاع الطلب على الحجيج؟ مهما بلغت جهود السعودية في توسعة الحرمين، ستظل محدودة، والتوسعات بحد ذاتها، تطرح أسئلة حول كيفية ممارسة المناسك، وما يترتب عليها من مصاعب ومشاق، يتعذر على كبار السن القيام بها، وتفتح الباب رحباً باستمرار، لوقوع حوادث وكوارث من النوع الذي ألّم بالحجيج في منى... من شاهد صور الجثث المتكدسة والمجللة بدماء أصحابها، يدرك أن الأمر لا يتعلق فقط بالإهمال أو التقصير، مع أن الإهمال والتقصير ممكين في حالات كهذه، والذين يزعمون اليوم قدرات خارقة على تقديم تنظيم أفضل لمواسم الحج، عليهم ألا يذهبوا بعيداً في مزايداتهم، فهم لم يخضعوا لاختبارات من هذا النوع ... لسنا نبرئ السعودية ولسنا نتهمها ... المشكلة أكبر وأبعد من مجرد “سوء إدارة” أو إهمال أو تقصير، المسألة مرشحة للمزيد من التفاقم، كلما تكاثر العدد وارتفع الطلب على أداء الفريضة.


 كل من تحدثهم من الناس أو المختصين أو العلماء، يقرون معك بحجم المشكلة، بل ويسهبون في سرد الكثير من الوقائع الدالّة على مستوى تفاقمها ... لكن أحداً منهم ليس لديه جواب على أسئلتك وتساؤلات ... الجميع يتحولون فجأة إلى “مرجئة”، يحيلون الأسئلة إلى غيرهم ويرجئون البحث عن إجابات عليها لزمن آخر ... بعضهم يذهب به الاستخفاف حد القول: حتى وإن قضى عشرات الألوف سنوياً، لن يكون لفريضة الله تبديلا، متجاهلاً حقيقة أن ملايين المسلمين لن يكون بمقدورهم أداء الفريضة، ليس لنقص في “الاستطاعة” ولكن لمحدودية نظام “الكوتا”. 

لسنا في موقع من “يفتي” بالإجابة على أسئلة من هذا النوع، ونكتفي بموقع ناقل الأسئلة والتساؤلات ... وأدعو لإعمال العقل والاجتهاد، وقبل هذا وذاك، أشدد على الحاجة إلى نبذ الاستخفاف بدماء الناس وأرواحهم، مهما كانت الأعذار والمبررات ... فالذي أوجب على المسلمين فريضة الحج بمعانيها الروحية والقيمية السامية، لا يرتضي إن يتدثر الحجاج بأكفانهم بدل ثياب الإحرام ... وعلى رجال العلم والدين والافتاء أن يتخذوا من واقعة منى، مدخلاً للتفكير والتدبير، وأن يفعلوا ذلك الآن، وإلا كانوا من الآثمين. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسئلة الكارثة في منى وتساؤلاتها أسئلة الكارثة في منى وتساؤلاتها



GMT 03:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 03:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 03:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 03:39 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 03:37 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 03:35 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 03:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 03:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 10:53 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يترأس اجتماع المجموعة الوزارية الاقتصادية

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النيابة العامة تُغلق ملف وفاة أحمد رفعت وتوضح أسباب الحادث

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon