توقيت القاهرة المحلي 18:59:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أسئلة الكارثة في منى وتساؤلاتها

  مصر اليوم -

أسئلة الكارثة في منى وتساؤلاتها

عريب الرنتاوي

بعيداً عن التلاوم والاتهامات المتبادلة، التي تفوح منها رائحة السياسة وحروب المحاور، فإن تكرار الحوادث الدامية والمؤسفة في مواسم الحج، تطرح أسئلة وتساؤلات، لا يمكن للعقل الإسلامي أن يظل بمنأى عنها، أو يبقيها “تحت البساط”، وقد آن لهذا العقل أن يخرج من أسر الرتابة في اجترار المتوارث من الأفكار إلى فضاءات التفكير من خارج الصندوق، وإعمال الاجتهاد الذي يوفر على الناس عناء المقامرة بالأرواح والأنفس البريئة، فلا يجوز أن تظل رحلة الحجيج محاطة بكل هذا القلق والتحسب.

بعضنا في غمرة “التزيّد” و”المزاودة” يصرح عبر الأثير والفضائيات، بأنه كان يتمنى “ميتة” كلتك التي راح ضحيتها ما يقرب من الألف حاج على أقل تقدير، ومثلهم، وربما أكثر منهم من الجرحى والمصابين ... لا أدري أي إيمان هذا الذي يدفع بصاحبه لتمني الموت تحت الأقدام المتزاحمة ... وهل هذا من الدين في شيء؟ ... وهل قدسية المكان وطهارته، تسوغان تحويله إلى ساحات للموت الجماعي؟ ... أين علماء الدين والمجتهدين، ولماذا يلوذون بصمت القبور حيال كارثة من هذا النوع؟ ... وهل عقد الخوف ألسنتهم؟ ... أين هم من قيمة الحياة الإنسانية، هل رَخُصنا إلى هذا الحد؟

أكثر من مليوني حاج يتجمعون في الوقت ذاته والمكان ذاته كل عام... هنا يجدر القول بأن المكان مهما اتسع وتوسع، سيظل ضيقاً على الناس، هو ضيق الآن، وكان كذلك بالأمس، وسيكون أكثر ضيقاً في المستقبل ... المسلمون يتكاثرون بمعدلات سريعة، أكثر من غيرهم من أتباع الديانات الأخرى، والطلب على الحج في تزايد مستمر، ونظام “الكوتا” يضيق بأهله، ويجعل الحج إلى الديار المقدسة، حلماً بعيد المنال، وإن تحقق ففي أرذل العمر، عندما يضعف الجسد وترتعش سيقان الطائفين والمهرولين والساعين في المشاعر المقدس. 

متوسط أعمار الحجيج في ارتفاع سنة بعد أخرى، من لم يبلغ النصف الثاني من ستينيياته، يصعب عليه الحصول على مقعد في الرحلات المتجهة إلى مكة والمدينة ... هؤلاء هم الأكثر عرضة للإصابة والوفاة، إن لم يكن بفعل الحر القائظ والمشاق الصعبة، فعند تزاحم الأقدام ... والمتوقع إن استمر الحال على هذا المنوال، أن يرتفع متوسط أعمار الحجيج سنة بعد أخرى، وأن تضيق “الكوتا” بطالبي الفريضة ... تخيلوا كم سيبلغ عديد الحجاج بعد عشرين سنة أو خمسين سنة، أو مائة سنة، إن ظلت “الكوتا” على حالها، أو كم سيلغ متوسط أعمارهم، إن تقلصت بفعل الزيادة السكانية الطبيعية، وارتفاع الطلب على الحجيج؟ مهما بلغت جهود السعودية في توسعة الحرمين، ستظل محدودة، والتوسعات بحد ذاتها، تطرح أسئلة حول كيفية ممارسة المناسك، وما يترتب عليها من مصاعب ومشاق، يتعذر على كبار السن القيام بها، وتفتح الباب رحباً باستمرار، لوقوع حوادث وكوارث من النوع الذي ألّم بالحجيج في منى... من شاهد صور الجثث المتكدسة والمجللة بدماء أصحابها، يدرك أن الأمر لا يتعلق فقط بالإهمال أو التقصير، مع أن الإهمال والتقصير ممكين في حالات كهذه، والذين يزعمون اليوم قدرات خارقة على تقديم تنظيم أفضل لمواسم الحج، عليهم ألا يذهبوا بعيداً في مزايداتهم، فهم لم يخضعوا لاختبارات من هذا النوع ... لسنا نبرئ السعودية ولسنا نتهمها ... المشكلة أكبر وأبعد من مجرد “سوء إدارة” أو إهمال أو تقصير، المسألة مرشحة للمزيد من التفاقم، كلما تكاثر العدد وارتفع الطلب على أداء الفريضة.


 كل من تحدثهم من الناس أو المختصين أو العلماء، يقرون معك بحجم المشكلة، بل ويسهبون في سرد الكثير من الوقائع الدالّة على مستوى تفاقمها ... لكن أحداً منهم ليس لديه جواب على أسئلتك وتساؤلات ... الجميع يتحولون فجأة إلى “مرجئة”، يحيلون الأسئلة إلى غيرهم ويرجئون البحث عن إجابات عليها لزمن آخر ... بعضهم يذهب به الاستخفاف حد القول: حتى وإن قضى عشرات الألوف سنوياً، لن يكون لفريضة الله تبديلا، متجاهلاً حقيقة أن ملايين المسلمين لن يكون بمقدورهم أداء الفريضة، ليس لنقص في “الاستطاعة” ولكن لمحدودية نظام “الكوتا”. 

لسنا في موقع من “يفتي” بالإجابة على أسئلة من هذا النوع، ونكتفي بموقع ناقل الأسئلة والتساؤلات ... وأدعو لإعمال العقل والاجتهاد، وقبل هذا وذاك، أشدد على الحاجة إلى نبذ الاستخفاف بدماء الناس وأرواحهم، مهما كانت الأعذار والمبررات ... فالذي أوجب على المسلمين فريضة الحج بمعانيها الروحية والقيمية السامية، لا يرتضي إن يتدثر الحجاج بأكفانهم بدل ثياب الإحرام ... وعلى رجال العلم والدين والافتاء أن يتخذوا من واقعة منى، مدخلاً للتفكير والتدبير، وأن يفعلوا ذلك الآن، وإلا كانوا من الآثمين. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسئلة الكارثة في منى وتساؤلاتها أسئلة الكارثة في منى وتساؤلاتها



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon