توقيت القاهرة المحلي 07:10:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإرهاب إذ يمزق أحشاء باريس... و«باريس الشرق»

  مصر اليوم -

الإرهاب إذ يمزق أحشاء باريس و«باريس الشرق»

عريب الرنتاوي

بدت واقعة “الموقر” تفصيلاً صغيراً أمام ما أعقبها من أحداث جسام، مزقت قلب الضاحية الجنوبية وهزّت العاصمة الفرنسية، حتى أن واقعة انتحار الشقيقتين “السلطي” طغت على المؤتمر الصحفي لوزير الداخلية، واستأثرت باهتمام يفوق ما حظيت به جريمة “الموقر” ... ذلك لا يعني للحظة واحدة التقليل شأن المسألة، فالجرح في الكف، و”الخرق” من قلب المؤسسة، والجاني منذور لحفظ الأمن لا تهديده، ومراسم التشييع الحاشدة له، أظهرت جانباً مخفياً من “جبل جليد” الرأي العام وتوجهاته وأنماط تفكيره.

على أية حال، لم نكد نستفيق من هول الصدمة التي أودت بحياة أكثر من أربعين بريئاً لبنانياً ومقيماً، وأوقعت أضعافهم من الجرحى، حتى استفقنا على هول كابوس ضرب العاصمة الفرنسية في عدة أرجاء منها، وفي توقيت متزامن، مسقطاً المئات بين قتيل وجريج، لكأن الإرهاب الذي يخسر مواقعه في سوريا والعراق، وبصورة لافتة في الأيام الأخيرة، قرر الرد بعمليات استعراضية، من طبيعة فاشية – بربرية – همجية، بعيداً عن جبهات القتال وخطوط التماس.

في لبنان، لم يكن قتل أكبر عدد من المدنيين هو الهدف الأول للقتلة فحسب، الانتقام من الحاضنة الشعبية لحزب الله عموماً، كان هدفاً ثابتاً للعملية ولكل ما سبقها من عمليات إرهابية موصوفة، هزّت الضاحية الجنوبية خلال السنوات الثلاث الفائتة ... والأخطر من هذا وذاك، زرع بذور الفتنة بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والبيئة المحيطة بمخيماتهم، وهي تكاد تكون بيئة حزب الله تحديداً، عبر المسارعة إلى تسريب “الهوية الفلسطينية” للجناه، وهو أمرٌ ما زالت تحيط به بعض الشكوك والتساؤلات حتى الآن على أقل تقدير.

وإذ لم تنجح التفجيرات السابقة في تفجير فتنة مذهبية سنيّة – شيعية، فلا بأس من تجريب اللعب بورقة أخرى، ورقة الفتنة الفلسطينية اللبنانية، الشيعية على وجه الخصوص ... لكأن من خطط وقرر وأمر ونفذ، أراد أن يشعل شرارة اقتتال فلسطيني لبناني، تكون سبباً إضافياً في إشعال الحرائق المذهبية، وتعميم الفوضى والفلتان في لبنان والإقليم، فليس لهذه التنظيمات من وسيلة “للبقاء والتمدد” سوى على أنقاض مجتمعاتنا وسلامها الأهلي وتعايشها السلمي، ليس لديها من بيئة مخصبة لانتاجها وإعادة انتاجها، سوى تلك المخضبة بدماء ضحايا “الصراعات الهوياتية”، اياً كانت صورها وأشكالها.

وفي باريس، كانت الرسالة واضحة تماماً ... لا حدود لاستهدافات الإرهابيين، ولا شفاعة عندهم في مواقف الدول والحكومات ... فرنسا الأكثر عداءً لنظام الأسد، والأكثر اعتراضاً على التدخل الروسي، والأكثر دفاعاً عن فصائل إسلامية وجهادية في إطار حلفها  مع قطر وتركيا والسعودية، فرنسا هذه، هي الهدف المحبب والأثير (والسهل على ما يبدو) لهذه الجماعات ... والمؤكد بهذا المعنى، أن منفذي العملية والراقصين طرباً على جروح المدنيين وعذاباتهم من أشقاء وشقيقات “داعش”، يعيدون توجيه الرسالة القديمة – الجديدة: لا مأمن لأحدٍ من الإرهاب والإرهابيين، حتى وإن خدم بمواقفه وأجنداته وسياساته، عن قصد أو من دونه، بعض أغراضهم، وأظهر استعداداً لغض الطرف عن أعمالهم الإجرامية، تحت حجج وذرائع شتى، أو لخدمة أغراض وأهداف انتهازية آنية وظرفية.

تهديد الإرهاب لم يعد أمراً افتراضياً، فما حصل في باريس هو (11 سبتمبر) فرنسي / أوروبي بكل المقاييس والمواصفات ... وأسوأ الخلاصات التي يمكن أن تتوصل إليها العاصمة الفرنسية، هو أن ترى في المسألة مجرد اعتداء آخر من “داعش”، وأن تعاود طرح شعارها القديم: “داعش وداعش وحدها من يتعين استهدافه” الذي أبلغته للقيادة الروسية... أسوأ ما يمكن أن تخلص إليه عاصمة الأنوار، هو استمرار التردد والمراوحة، في مواجهة قوى الظلام، أياً كانت الأسماء واليافطات التي تتغطى بها ... إن لم تجر فرنسا مراجعة جدية لقراءاتها لأزمات المنطقة، فإن دماء مئات الفرنسيين الأبرياء من قتلى وجرحى، ستكون قد ذهبت هباءً.

هجمات باريس و”باريس الشرق”، تعيد الاعتبار لأولوية شعار الحرب على الإرهاب، وتلقي على كاهل الدول الكبرى، بمسؤوليات إضافية في ضبط إيقاع حلفائهم الإقليميين، من عرب وغيرهم، الذين كان لهم “قصب السبق” في إخراج هذا المارد من قمقمه، وتغذيته بكل أسباب القوة والاقتدار، وتقديم أفضل التسهيلات والرعايات له ولمجاهديه ... وترتب على كاهل عواصم العالم الكبرى، أعباء جسام، لتذليل كل عقبة تقف في طريق البحث عن حلول سياسية لأزمات المنطقة، تعيد تركيب دولها المفككة، أو بالأحرى دولها التي جرى تفكيكها عن سابق ترصد وإصرار، ومن قبل عواصم الغرب الكبرى، من العراق إلى سوريا، مروراً بليبيا واليمن ... آن الأوان لمقاربات جذرية، تخرج العالم من “شرك” الصراعات الدينية والمذهبية التي اتضح تماماً أن شراراتها لن تحرق دول الإقليم وشعوبه فحسب، بل وستمس الأمن والاستقرار الدوليين كذلك.

وأختم بعبارة للجنرال ميشيل عون قالها تعقيباً على تفجيرات الضاحية الإرهابية: كم من عملية إرهابية من هذا النوع، يتعين وقوعها قبل أن نقتنع جميعاً بوجوب الانخراط في الحرب على الإرهاب ... وكم من عملية إرهابية من نوع ما حصل بالأمس في باريس، يتعين وقوعها، قبل أن تقتنع فرنسا وبعض حلفائها، بضرورة إعادة النظر في مواطئ أقدامها في المنطقة، وإجراء ما يتعين إجراؤه من مراجعات، وصولاً لجعل محاربة الإرهاب هدفاً أسمى، يتقدم على ما عداه من حسابات ملتوية وأجندات خفية؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإرهاب إذ يمزق أحشاء باريس و«باريس الشرق» الإرهاب إذ يمزق أحشاء باريس و«باريس الشرق»



GMT 09:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 08:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 08:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 08:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 08:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon